ما زلت عن سنن الوداد ولا غدت ... نفسي على ألف سواك تحوم
ثم قال بعد ذلك:
لمحمد بن الهيثم بن شبابة ... مجد إلى جنب السماك مقيم
ويسمى هذا النوع الإلمام.
وكانت العرب لا تذهب هذا المذهب في الخروج إلى المدح، بل يقولون عند فراغهم من نعت الإبل وذكر القفار وما هم بسبيله: دع ذا وعد عن ذا ويأخذون فيما يريدون أو يأتون بأن المشددة ابتداء للكلام الذي يقصدونه، فإذا لم يكن خروج الشاعر إلى المدح متصلاً بما قبله ولا منفصلاً بقوله دع ذا وعد عن ذا ونحو ذلك سمي طفراً وانقطاعاً.. وكان البحتري كثيراً ما يأتي به نحو قوله:
لولا الرجاء لمت من ألم الهوى ... لكن قلبي بالرجاء موكل
إن الرعية لم تزل في سيرة ... عمرية مذ ساسها المتوكل
ولربما قالوا بعد صفة الناقة والمفازة " إلى فلان قصدت " و " حتى نزلت بفناء فلان " وما شاكل ذلك.
وأما الانتهاء فهو قاعدة القصيدة، وآخر ما يبقى منها في الأسماع، وسبيله أن يكون محكماً: لا تمكن الزيادة عليه، ولا يأتي بعده أحسن منه، وإذا كان أول الشعر مفتاحاً له وجب أن يكون الآخر قفلاً عليه.
وقد أربى أبو الطيب على كل شاعر في جودة فصول هذا الباب الثلاثة، إلا أنه ربما عقد أوائل الأشعار ثقة بنفسه، وإعراباً عن الناس، كقوله أول قصيدة:
وفاؤكما كالربع أشجاه طاسمه ... بأن تسعد والدمع أشفاه ساجمه