ومن الإيجاز البديع قول الله عز وجل:" وقيل يا أرض ابلعي ماءك، ويا سماء أقلعي، وغيض الماء، واستوت على الجودي، وقيل: بعداً للقوم الظالمين " وقله تعالى: " خذ العفو، وأمر بالعرف، وأعرض عن الجاهلين " فكل كلمة من هذه الكلمات في مقام كلام كثير، وهي على ماترى من الإحكام والإيجاز، ومثل ذلك قوله تعالى:
" يحسبون كل صيحة عليهم، هم العدو، فاحذرهم، قاتلهم الله أنى يؤفكون " وقوله تعالى: " وأخرى لم تقدروا عليها قد أحاط الله بها " وقوله: " إن تتبعون إلا الظن وما تهوى الأنفس " وقال النبي صلى الله عليه وسلم للأنصار: " إنكم لتكثرون عند الفزع، وتقلون عند الطمع " وقال: " كفى بالسلامة داء " ومثل هذا كثير في كلامه صلى الله عليه وسلم، ومن أولى منه بالفصاحة وأحق بالإيجاز؟ وقد فقال:" أعطيت جوامع الكلم " فأما قوله عليه الصلاة والسلام: " كفى بالسيف شا " يريد " شاهداً فقد حكاه قوم من أصحاب الكتب: أحدهم عبد الكريم، والذي أرى أن هذا ليس مما ذكروا في شيء؛ لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم إنما قطع الكلمة وأمسك عن تمامها لئلا تصير حكماً، ودليل ذلك أنه قال: " لولا أن يتتابع فيه الغيران والسكران " فهذا وجه الكلمة والله أعلم، لا كما قال علقمة بن عبدة:
كأن إبريقهم ظبي على شرف ... مفدم بسبا الكتان ملثوم
يريد " بسبائب الكتان " فحذف اضطراراً؛ لأن الوزن لا يستقيم له إلا بعد الحذف، وكذلك قول لبيد: