فجعل شحم سنامها قوتاً للرحل، وهذه استعارة كما تراها كأنها الحقيقة لتمكنها وقربها، وقد تناولها جماعة منهم كلثوم بن عمرو العتابي: قال في قصيدة يعتذر فيها إلى الرشيد:
ومن فوق أكوار المهاري لبانة ... أحل لها أكل الذرى والغوارب
ثم أتى أبو تمام وعول على العتابي وزاد المعنى زيادة لطيفة بينة فقال:
وقد أكلوا منها الغوارب بالسرى ... فصاحت لها أشباحهم كالغوارب
وكان ابن المعتز يفضل ذا الرمة كثيراً، ويقدمه بحسن الاستعارة والتشبيه، لا سيما بقوله:
فلما رأيت الليل والشمس حية ... حياة الذي يقضي حشاشه نازع
لأن قوله والشمس حية من بديع الكلام والاستعارة، وباقي البيت من عجيب التشبيه. واختار الحاتمي في باب الاستعارة في وصف سحائب وأظنه لابن ميادة، واسمه الرماح بن أبرد من بني مرة، وميادة أمه:
إذا ما هبطنا القاع قد مات بقله ... بكينا به حتى يعيش هشيم
ورواه قوم لأبي كبير، وابن ميادة أولى به وأشبه.
والاستعارة كثيرة في كتاب الله عز وجل وكلام نبيه صلى الله عليه وسلم: من ذلك قوله تعالى: " لما طغى الماء " وقوله: " فلما سكت عن موسى الغضب " وقوله: " وسمعوا لها شهيقاً وهي تفور، تكاد تميز من الغيظ "، فالشهيق والغيظ استعارتان، وقوله تعالى:" يا أرض ابلغي ماءك " وكثير من هذا لو تقصى لطال جداً. وقول النبي صلى الله عليه وسلم:" الدنيا حلوة خضرة " وقوله لحالب حلب ناقة: " دع داعي اللبن " يعني بقية من اللبن في الحلب، وقوله: " تمسحوا