وإن أقر على رق أنامله ... أقر بالرق كتاب الأنام له
وربما صنعوا مثل هذا في القوافي فتأتي كالإيطاء وليس بإبطاء إلا في اللفظ مجازاً، ولا بتجنيس إلا كذلك.. قال عمر بن علي المطوعي:
أمير كله كرم سعدنا ... بأخذ المجد منه واقتباسه
يحاكي النيل حين يسأم نيلاً ... ويحكي باسلاً في وقت باسه
أراد أن يناسب فجاء القافيتان كما نرى في اللفظ، وليس بينهما في الخط إلا مجاورة الحروف، وهذا أسهل معنى لمن حاوله، وأقرب شيء ممن تناوله، من أبواب الفراغ وقلة الفائدة، وهو مما لا شك في تكلفه، وقد أكثر منه هؤلاء الساقة المتعقبون في نثرهم ونظمهم حتى بردوا، بل تدركوا، فأين هذا العمل من قول القائل، وهو أبو فراس:
سكرت من لحظه لا من مدامته ... ومال بالنوم عن عيني تمايله
وما السلاف دهتني بل سوالفه ... ولا الشمول زهتني بل شمائله
ألوي بصبري أصداغ لوين له ... وغل صدري ما تحوي غلائله
فما كان من التجنيس هكذا فهو الجيد المستحسن، وما ظهرت فيه الكلفة فلا فائدة فيه.
وقد يجيئ التجنيس على غير قصد كقول أبي الحسن في مقطعاته التي ترد فيما بعد:
ما ترى الساقي كشمس طلعت ... تحمل المريخ في برج الحمل
فبهذا التجنيس تم المعنى وظهر حسنه؛ إذ كان برج الحمل بيت المريخ وموضع شرف الشمس، فصار بعض الكلام مرتبطاً ببعضه، ومظهراً لخفي محاسنه، وحصل التجنيس فضلة على المعنى؛ لأنه لو قال في موضع الحمل " النطح "