وقال أبو الأسود واسمه ظالم بن عمرو بن سفيان الدؤلي:
وما كل ذي لب بموتيك نصحه ... وما كل مؤتٍ نصحه بلبيب
فهذا تصدير، وإن كان ظاهره في اللفظ ترديداً للعلة التي ذكرتها.
ومن أناشيدهم في التصدير قول طفيل الغنوي:
محارمك أمنعها من القوم؛ إنني ... أرى جفنة قد ضاع فيها المحارم
وقال جرير وهم يستحسنوه جداً:
سقى الرمل جون مستهل ربابه ... وما ذاك إلا حب من حل بالرمل
وقال عمرو بن الأحمر:
تغمرت منها بعد ما نفد الصبا ... ولم يروا من ذي حاجة من تغمرا
تغمرت أي: شربت من الغمر، وهو قدح صغير جداً، ضربه مثلاً، أي: تعللت منها بالشيء القليل، وذلك لا يبلغ ما في نفسي منك من المراد.
ومن التصدير نوع سماه عبد الكريم المضادة، وأنشد للفرزدق:
أصدر همومك لا يغلبك واردها ... فكل واردة يوماً لها صدر
وأنشد في التصدير بيت طفيل المتقدم، وبيت جرير، وخص بيت الفرزدق بالمضادة دون أن يجعله تصديراً كما جعله أولاً طباقاً كما يقال في الأضداد إذا وقعت في الشعر، وقد رأيته في إحدى النسخ مع أبيات المطابقة.
ويقاربه من كلام المحدثين قول ابن الرومي:
ريحانهم ذهب على درر ... وشرابهم درر على ذهب
والكتاب يسمون هذا النوع التبديل، حكاه أبو جعفر النحاس.
ومن أناشيد ابن المعتز قول منصور بن الفرج في ذكر الشيب:
يا بياضاً أذرى دموعي حتى ... عاد منها سواد عيني بياضاً