أراد إلا الخلاعة والعبث الذي بنى عليه القصيدة، ودليل ذلك أنه قال في تمام البيت: ولا تسقني سراً إذا أمكن الجهر ويروى " فقد أمكن الجهر " فذهب إلى المجاهرة، وقلة المبالاة بالناس، والمداراة لهم في شرب الخمر بعينها التي لا اختلاف بين المسلمين فيها.
وقد ثبت أن المأمون ذم أخاه الأمين على المنابر، وذكر في مذامه أنه صحب شاعراً من أمره ومن قصته أنه يجاهر بالمعاصي، ويقول في قصيدة أولها كذا وأنشد البيت:
فبتنا يرانا الله شر عصابة ... نجر بأذيال الفسوق ولا فخر
ومثل ذلك قول المفضل الضبي بين يدي الرشيد والكسائي حاضر في معنى قول الفرزدق:
أخذنا بآفاق السماء عليكم ... لنا قمراها والنجوم الطوالع
وقد سأل الأمين والمأمون: ما معناه؟ فقالا: معناه في قوله " قمراها " تغليب المستعمل عندهم؛ لأن القمر أكثر استعمالاً عند العرب من الشمس، وكذلك قولهم " العمران " لما كان عمر أطول أياماً وأكثر تأثيراً، فقال الرشيد: هكذا أخبرنا هذا الشيخ، وأشار إلى الكسائي، فقال المفضل: بل مراده بالقمرين جداك إبراهيم ومحمد صلى الله عليهما، وبالنجوم الطوالع أنت وآباؤك الطيبون، فأعجب الرشيد بذلك ووصله، والفرزدق ما قصد إلى شيء من ذلك ولا أراده، ولا علم أن الرشيد بعده يكون أمير المؤمنين، وإنما أراد أن كل مشهور فاضل فهو لنا عليكم، ومنا لا منكم، فنحن أشرف