لا يعدو في هجائه الفرزدق ذكر القين وجعثن وقتل الزبير، والفرزدق يرميه في كل قصيدة بآبدة، حكى ذلك غير واحد من المؤلفين.
فإذا كان هذا فقد حكم له بالتصرف، وبهذا أقول أنا، وإياه أعتقد فيهما، وإذا لم يكن شعر الشاعر نمطاً واحداً لم يمله السامع، حتى إن حبيباً ادعى ذلك لنفسه في القصيدة الواحدة فقال:
الجد والهزل في توشيع لحمتها ... والنبل والسخف، والأشجان والطرب
وقد كان إسماعيل بن القاسم أبو العتاهية:
لا يصلح النفس إذ كانت مصرفة ... إلا التصرف من حال إلى حال
وأنشد الصاحب لأبي أحمد يحيى بن علي المنجم في نقد الشعر:
رب شعر نقدته مثل ما ين ... قد رأس الصيارف الدينارا
ثم أرسلته فكانت معاني ... هـ وألفاظه معاً أبكارا
لو تأتى لقالة الشعر ما أس ... قط منه الحلو به الأشعارا
إن خير الكلام ما يستعير النا ... س منه ولم يكن مستعارا
وقال الجاحظ:
طلبت علم الشعر عند الأصمعي فوجدته لا يحسن إلا غريبه فرجعت إلى الأخفش فوجدته لا يتقن إلا إعرابه، فعطفت على أبي عبيدة فوجدته لا ينقل إلا ما اتصل بالأخبار، وتعلق بالأيام والأنساب، فلم أظفر بما أردت إلا عند أدباء الكتاب: كالحسن بن وهب، ومحمد بن عبد الملك الزيات.
قال الصاحب على أثر هذه الحكاية: فلله أبو عثمان، فلقد غاص على سر الشعر، واستخرج أرق من السحر.