وسبى الحريم، فأتى بعضهم أبا الطيب يسأله أن يذكرهم له في شعره، ويشفع فيهم فقال في قصيدة له مشهورة يخاطبه:
ترفق أيها المولى عليهم ... فإن الرفق بالجاني عتاب
فإنهم عبيدك حيث كانوا ... إذا تدعو لنائبة أجابوا
وعين المخطئين هم، وليسوا ... بأول معشر خطئوا فتابوا
وأنت حياتهم غضبت عليهم ... وهجر حياتهم لهم عقاب
وما جهلت أياديك البوادي ... ولكن ربما خفي الصواب
وكم ذنب مولده دلال ... وكم بعد مولده اقتراب
وجرم جره سفهاء قوم ... وحل بغير جارمه العذاب
وهذا من أفعال الشعراء قديم مشهور. وقد افتخر به البحتري فقال في قصيدة له طويلة:
إن أبق أو أهلك فقد نلت التي ... ملأت صدور أقاربي وعداتي
وغنيت ندمان الخلائف: نابها ... ذكرى، وناعمة بهم نشواتي
وشفعت في الأمر الجليل إليهم ... بعد الجليل، فأنجحوا طلباتي
وصنعت في العرب الصنائع عندهم ... من رفد طلاب وفك عناة
وكان أبو عزة كثيراً ما يستنفر المشركين، ويحرض على قتال النبي صلى الله عليه وسلم، فأسر يوم بدر، وجيء به إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فشكا إليه الفقر والعيال، فرق له، وخلى سبيله بعد أن عاهده ألا يعين عليه بشعره، فأمسك عنه مدة، ثم عاد إلى حاله الأولى، فأسر يوم أحد، فخاطب النبي صلى الله عليه وسلم بمثل خطابه الأول، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:" لا تمسح عارضيك بمكة تقول خدعت محمداً مرتين " ثم قتله صبراً، وقال:" لا يلسع المؤمن من جحر مرتين ".