للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

إذا ما وردنا منهلاً صاح أهله ... علينا، فلا ننفك نرمى ونضرب

لقد أردت بنا الشقاء، أما وجدت أمنية أوطأ من هذه؟! فخرج من عندها خجلاً وإنما اقتدى بالفرزدق حيث يقول، وهذا من سوء الأتباع:

ألا ليتنا كنا بعيرين لا نرد ... على حاضر إلا نشل ونقذف

كلانا به عر يخاف قرافه ... على الناس مطلي الأشاعر أخشف

بأرض خلاء وحدنا وثيابنا ... من الريط والديباج درع وملحف

ولا زاد إلا فضلتان: سلافة ... وأبيض من ماء الغمامة قرقف

وأشلاء لحم من حباري يصيدها ... إذا نحن شئنا صاحب متألف

لنا ما تمنينا من العيش مادعا ... هديلا بنعمان حمائم هتف

وإذا كان بعيراً فما هذه الأمنية التي كلها للحيوان الناطق؟ لولا أنه ردها إلى نفسه حقيقة، وإلا فما أملح الجمل نشوان يصيد الحباري بالبازي.

ومعايب هذا الباب كثيرة، وفما قدمت منها دليل على باقيها.

واشتقاق التشبيب يجوز أن يكون من ذكر الشبيبة، وأصله الإرتفاع، كأن الشباب ارتفع عن حال الطفولية، أو رفع صاحبه، ويقال: شب الفرس، إذا رفع يديه وقام على رجليه.

قال الجاحظ: يقال شبت شبوبا، وشب الفرس بيديه فهو يشب شبيباً، ويقال: مالك عضاض ولا شباب، انقضى كلامه.

ويجوز أن يكون من الجلاء، يقال: شب الحمار وجه الجارية، إذا جلاه ووصف ما تحته من محاسنه؛ فكأن هذا الشاعر قد أبرز هذه الجارية في صفته إياها وجلاها للعيون، ومنه الشب الذي يجتلي به وجوه الدنانير، ويستخرج غشها، ومنها: شببت النار، إذا رفعت سناها وزدتها ضياء.

<<  <  ج: ص:  >  >>