وحكى غير الصولي أن مروان بن أبي حفصة كان يقدم كثيراً في المدح على جرير والفرزدق.
ومما قدم به زهير قوله:
لو كان يقعد النجم من كرمٍ ... قوم بأولهم أو مجدهم قعدوا
قوم سنان أبوهم حين تنسبهم ... طابوا وطاب من الأولاد ما ولدوا
إنس إذا أمنوا، جن إذا فزعوا، ... مرزأون بها ليل إذا جهدوا
محسدون على ما كان من نعمٍ ... لا ينزع الله عنهم ماله حسدوا
ويروي غر بها ليل في أعناقهم صيد وقدمه قدامة بن جعفر الكاتب فقال في كتابه نقد الشعر: لما كانت فضائل الناس من حيث هم ناس، لا من طريق ما هم مشتركون فيه مع سائر الحيوانات، على ما عليه أهل الألباب من الاتفاق في ذلك؛ إنما هي العقل والعفة والعدل والشجاعة؛ كان القاصد للمدح بهذه الأربعة مصيباً، وبما سواها مخطئاً.
فقال زهير:
أخي ثقة لا يهلك الخمر ماله ... ولكنه قد يهلك المال نائله
لأنه قد وصفه بالعفة لقلة في اللذات وأنه لا ينفد فيها ماله، وبالسخاء لإهلاكه ماله في النوال وانحرافه إلى ذلك عن اللذات، وذلك هو العقل، ثم قال:
تراه إذا ما جئته متهللاً ... كأنك تعطيه الذي أنت سائله
أراد أن فرحة بما يعطي أكثر من فرحه بما يأخذ، فزاد في وصف السخاء منه: بأن يهش، ولا يلحقه مضض، ولا تكره لفعله..
ثم قال:
فمن مثل حصن في الحروب ومثله ... لإنكار ضيم أو لخصم يجادله