عقيل الندى، أطلق مدائح جمة ... خواصي حسرى قد أبت أن تسرحا
وكنت متى تنشد مديحاً ظلمته ... يكن لك أهجى كلما كان أمدحا
عذرتك لو كانت سماء تقشعت ... سحائبها أو كان روض تصوحا
ولكنها سقيا حرمت رويها ... وعارضها ملق كلاكل جنحا
وأكلأ معروف حميت مريعها ... وقد عاد منها الحزن والسهل مسرحا
فيا لك بحراً لم أجد فيه مشرباً ... وإن كان غيري واجداً فيه مسبحا
مديحي عصا موسى، وذاك لأنني ... ضربت به بحر الندى فتضحضحا
فيا ليت شعري إن ضربت به الصفا ... أيحدث لي فيه جداول سيحا
كتلك التي أبدت ثرى البحر يابساً ... وشقت عيوناً في الحجارة سفحا
سأمدح بعض الباخلين لعله ... إذا اطرد المقياس أن يتسمحا
فهذا هو الذي لا يبلغ جودة، ولا يجاري سبقاً، على أن البحتري قد تقدم إلى بعض المعنى في قوله للفتح بن خاقان:
غمام خطاني صوبه وهو مسبل ... وبحر عداني فيضه وهو مفعم
وبدر أضاء الأرض شرقاً ومغرباً ... وموضع رحلي منه أسود مظلم
وما بخل الفتح بن خاقان بالندى ... ولكنها الأقدار تعطي وتحرم
وأما أبو الطيب المتنبي فكان في طبعه غلظة، وفي عتابه شدة، وكان كثير التحامل، ظاهر الكبر والأنفة، وما ظنك بمن يقول لسيف الدولة:
يا أعدل الناس إلا في معاملتي ... فيك الخصام وأنت الخصم والحكم
أعيذها نظرات منك صادقة ... أن تحسب الشحم فيمن شحمه ورم
وما انتفاع أخي الدنيا بناظره ... إذا استوت عنده الأنوار والظلم
أنا الذي نظر الأعمى إلى أدبي ... وأسمعت كلماتي من به صمم