فأعطيته السؤدد من قيس الجزيرة، ومنعته ما لا يضر منعه؛ وأردت أن تمدح سماكاً الأسدي فقلت:
نعم المجير سماك من بني أسد ... بالطف إذ قتلت جيرانها مضر
قد كنت أحسبه قينا وأنبؤه ... فالآن طير عن أثوابه الشرر
فانصرف الأخطل خجلاً.
قال الحسن لعلي بن زيد: أرأيت قول الشاعر:
لولا جرير هلكت بجيله ... نعم الفتى وبئست القبيلة
مدحه أم هجاه؟ قال: مدحه وهجا قومه، فقال الحسن: ما مدح من هجي قومه.
وقال من اعتذر للنابغة في قوله:
فإنك كالليل الذي هو مدركي ... وإن خلت أن المنتأي عنك واسع
إنما قدم الليل في كلامه لأنه أهول، ولأنه أول، ولأن أكثر أعمالهم إنما كانت فيه؛ لشدة حر بلدهم، فصار ذلك عندهم متعارفاً.
وكذلك اعترفوا لزهير في قوله يصف الضفادع:
يخرجن من شربات ماؤها طحل ... على الجذوع يخفن الغمر والغرقا
فقال: لم يرد أنها تخاف الغرق على الحقيقة، ولكنها عادة من هرب من الحيوان من الماء، فكأنه مبالغة في التشبيه، كما قال الله عز وجل:" وإن كان مكرهم لتزول منه الجبال " وقال: " وبلغت القلوب الحناجر " والقول فيهما محمول على كاد هكذا الحذاق من المفسرين، مع أنا نجد الأماكن البعيدة القعر من البحار لا تقربها دابة، خوفاً على نفسها من الهلكة، فكأنه أراد المبالغة في كثرة ماء هذه الشربات، وإنما اقتدى فيه بقول أوس بن حجر:
فباكرن جونا للعلاجيم فوقه ... مجالس غرقى لا يحلا ناهله