فقال: متى كان الملك في بني عذرة؟ إنما هو في مضر وأنا شاعرها، فغلب الفرزدق على البيت، ولم يتركه جميل ولا أسقطه من شعره.
وقد زعم بعض الرواة أنه قد قال له: تجاف لي عنه، فتجافى جميل عنه، والأول أصح؛ فما كان هكذا فهو إغارة، وقوم يرون أن الإغارة أخذ اللفظ بأسره والمعنى بأسره، والسرق أخذ بعض اللفظ أو بعض المعنى، كان ذلك لمعاصر أو قديم.
وأما الغصب فمثل صنيعه بالشردل اليربوعي، وقد أنشد في محفل:
فما بين من لم يعط سمعاً وطاعةً ... وبين تميم غير حز الحلاقم
فقال الفرزدق: والله لتدعنه أو لتدعن عرضك، فقال: خذه لا بارك الله لك فيه.
وقال ذو الرمة بحضرته: لقد قلت أبياتاً، إن لها لعروضاً وإن لها لمراداً ومعنى بعيداً، قال: وما قلت؟ فقال: قلت:
أحين أعادت بي تميم نسائها ... وجردت تجريد اليماني من الغمد
ومدت بضبعي الرباب ومالك ... وعمرو وسالت من ورائي بنو سعد
ومن آل يربوع زهاء كأنه ... دجى الليل محمود النكاية والرفد
فقال له الفرزدق: إياك وإياها لا تعودن إليها، وأنا أحق بها منك، قال: والله لا أعود فيها ولا أنشدها أبداً إلا لك وسمعت بعض المشايخ يقول: الاصطراف في شعر الأموات كالإغارة على شعر الأحياء، إنما هو أن يرى الشاعر نفسه أولى بذلك الكلام من قائله.