٣- وثمة حقيقة أخرى تلفت إليها معركة الإسلام الدائمة في الحياة، وهي أن الناس اليوم حيارى تائهون تفترسهم ضلالات الجاهلية الجديدة، وتتحكم بهم أباطيل زائفة، وأوضاع ملتوية، ويعانون ترديًا خطيرًا في كل شأن من شئونهم..؛ ذلك لأنهم يفتقدون العقيدة الحقة التي تحفز إلى الخير، وتردع عن الشر، وتعالج مشكلاتهم، وتحسم أزماتهم، وتنبثق عنها النظم السليمة، والأخلاق الكريمة، والحركة الحية الفاعلة.. لا بد لهم من هذه العقيدة التي تنقلهم من حياة الفراغ الفكري، والضياع النفسي، والتمزق الاجتماعي.. إلى حياة أخرى جديدة تملأ عقولهم بالفكر النير، ونفوسهم بالخلق الرضي، ومجتمعهم بالتماسك والنظام.
فَمَنْ لهذه العقيدة يحمل أمانتها، ويخوض معركتها. ويرفع رايتها غير أبنائها؟
إن طبيعة رسالتهم، وحقيقة وظيفتهم، توجب عليهم أن لا يكونوا في عزلة عن سير الحياة، فلا يليق بهم أن يعيشوا على هامشها، أو ينأوا عن معركتهم فيها، فثمة اليوم نظم وتيارات، ومذاهب واتجاهات، ينبغي أن نحدد موقفنا منها على هدي من نور الله، وعلى بصيرة من شريعتنا الغراء، فقد كان لنا في الماضي دور كبير خطير، في توجيه الإنسانية، وقيادة ركبها، وتقويم حضارتها، وكانت أسس عقيدتنا. ومبادئ شريعتنا، الحَكَمَ الأول في قبول أو رد معطياتها، فأجازت الصالح منها وتبنته ودعت إليه، وردت الفاسد الضار ونبذته وقضت عليه، وكانت أمتنا -في تفاعلها هذا مع معركة الحياة- تعطي وتأخذ في غير ضعف ولا استخذاء، مارست وظيفتها في الهداية والقيادة والإصلاح دون أن تغير من مفاهيمها؛ لتنطوي في مفاهيم غريبة عنها، أو تبدل من مناهجها لتذوب في مناهج دخيلة عليها، بل كانت شخصيتها المتميزة تعصمها من أن تؤخذ بسحر الجديد مهما بلغ بريقه،