للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

عَنْهُ تَلَهَّى، كَلَّا إِنَّهَا تَذْكِرَةٌ، فَمَنْ شَاءَ ذَكَرَهُ، فِي صُحُفٍ مُكَرَّمَةٍ، مَرْفُوعَةٍ مُطَهَّرَةٍ، بِأَيْدِي سَفَرَةٍ، كِرَامٍ بَرَرَةٍ} ١.

وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد أن نزلت هذه الآيات يَهشُّ لابن أم مكتوم ويقول له كلما لقيه: "أهلًا بمن عاتبني فيه ربي" وقد استخلفه مرتين بعد الهجرة على المدينة.

ب- آخى رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد هجرته إلى المدينة بين المهاجرين والأنصار أخوة إيمان وحب وإيثار؛ فربطت هذه الأخوة بين قلوب المؤمنين برباط لا ينفصم؛ لأنها فوق المنافع والمطامع، والعصبيات والأهواء؛ فوضع الإسلام بذلك القيم الجديدة والموازين الفاصلة، التي تتحدد بها علاقات القرب والبعد، ويتعين على أساسها موقف الولاء والعداء، دون أي اعتبار لما تواضع الناس في مجتمع الجاهلية من قيم العصبية أو الجنس أو اللون؛ تلك القيم الجاهلية التي كانت مدعاة إلى تمزيق الشمل، وإثارة الأحقاد، والتي صنفت الناس تصنيفًا يذكي بينهم نار العداوة والبغضاء، وفي ذلك يقول سبحانه -مذكرًا المؤمنين بهذه الأخوة الكريمة التي جمعتهم بعد تفرق، ووحدتهم بعد تمزق، وجعلت منهم إخوانًا متحابين بعد أن كانوا أعداء متناحرين:

{وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ} ٢.

إن هذه الأخوة التي مَنَّ الله بها على عباده المؤمنين آصرة برٍّ وتعاطف،


١ سورة "عبس" ١-١٦
٢ آل عمران: ١٠٣

<<  <   >  >>