للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

السمرقندي، والحسن بن شجاع ذاك البلخي" (١)، ثم قال له: "يا أبت: فمن أحفظهم؟ قال: أسردهم أبو زرعة، وأعرفهم محمد بن إسماعيل، وأتقنهم عبد الله، وأجمعهم للأبواب الحسن" (٢).

وإذا أردنا أن نعرف الوسائل التي اتبعها محدثنا حتى وصل إلى هذه المنزلة الرفيعة في الحفظ فهي بلاشك تقوى الله، والتقرب إليه بالنوافل والطاعات. قال تعالى: {وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ} (٣)، ودعاء المخلصين من شيوخه، والصالحين الذين صحبهم، ولما كان الجزاء من جنس العمل، فكان يترك الرذائل، ويصون سمعه عن الباطل أكرمه الله بالحفظ المتواصل، فقد ذكر الخطيب البغدادي عنه أنه قال: "ما سمعت أذني شيئاً من العلم إلا وعاه قلبي، وإني كنت أمشي في سوق بغداد فأسمع من الغرف صوت المغنيات، فأضع أصبعي في أذني مخافة أن يعيه قلبي" (٤). ولقد كان شديد التعاهد لمذاكرة تراث المصطفى صلى الله عليه وسلم. يقول أبو زرعة لأحد أصحابه: "إذا مرضت شهرا أو شهرين تبين علي في حفظ القرآن، وأما الحديث فإذا تركته أياما تبين علي ثم قال أبو زرعة: ترى قوما من أصحابنا كتبوا الحديث تركوا المجالسة منذ عشرين سنة أو أقل إذا جلسوا اليوم مع الأحداث كأنهم لا يعرفون ولا يحسنون الحديث. ثم قال: الحديث مثل الشمس إذا جلس من الشرق خمسة أيام لا يعرف فهذا الشأن تحتاج أن تتعاهده أبدا" (٥) ولقد كان من حرصه على الحفظ أن ترك أكل الجبن والخل لما كان يشيع في عصره من سوء أثرهما على الحفظ.


(١) انظر: تاريخ بغداد ج ١٠ ص ٣٢٧، وتاريخ دمشق، والأنساب ج ٦ ص ٣٥، وطبقات الحنابلة ج ١ ص ٢٠٠، وتهذيب الكمال ورقة (٤٤٢ - أ-)، وانظر كذلك: تاريخ بغداد ج ٢ ص ٢١ حيث ذكر نحو هذا النص وطبقات الشافعية ج ٢ ص ٢٢٠، وسير أعلام النبلاء في ترجمة أبي زرعة.
(٢) انظر: تهذيب التهذيب ج ٢ ص ٢٨٣.
(٣) سورة البقرة: آية ٢٨١.
(٤) انظر: تاريخ بغداد ج ١٠ ص ٣٣٢، وتاريخ دمشق، وتهذيب الكمال ورقة (٤٤٢ - أ)، وتهذيب التهذيب ج ٧ ص ٣٢، والمنتظم ج ٥ ص ٤٨.
(٥) انظر: سير أعلام النبلاء في ترجمته.