للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

يقول ابن أبي حاتم: "وكان أبو زرعة لا يأكل الجبن ولا الخل" (١) ولقد استطاع - رحمه الله- ملازمة هذا المنهج حتى بقي حافظا متمتعا بذاكرة قوية حتى إنه كان يقول: "إن في بيتي ما كتبته منذ خمسين سنة، ولم أطالعه منذ كتبته، وإني أعلم في أي كتاب هو، في أي ورقة هو، في أي صفحة هو، في أي سطر هو" (٢).

وحتى وهو في النزع بلّغ حديثا من حفظه لما توقف أقرانه من الحفاظ في إسناده (٣)، والأمثلة على حفظه وقوة ذاكرته كثيرة (٤).

[٢ - مكانته بين العلماء]

لقد تمتع محدثنا الرازي بمكانة مرموقة بين علماء عصره، حازت السبق والتفوق على أقرانه، وانتشر ذكره وذاع صيته في كل مركز علمي يدخله، وما من حافظ كبير وإمام جليل يلتقي به إلا ترجم حبه له وإعجابه به، بآيات من الثناء العاطر والشكر المتواصل، وأخذ حبهم وتقديرهم لأبي زرعة يزداد كلما ازداد طلبا للحديث وتمسكا به والذب عنه، وأهلته إحاطته بعلوم السنة الشريفة، ومعرفته بدقائق رواياتها لأن يكون حكما بين المحدثين إذا اختلفوا. وأقواله في الرواة أساسا اذا جرحوا أو عدلوا. ولم يقتصر هذا على تلاميذه بل


(١) انظر: المصدر السابق، ولقد كان غيره من المحدثين يفعل ذلك، حتى إنهم كانوا يحملون الزبيب هدية لأطفالهم لأنه ينشط الفكر على ما شاع عن بعض كبار المحدثين والحفاظ. انظر: الآداب الشرعية والمنح المرعية لابن مفلح المقدسي ج ٣ ص ٢٨، وزاد المعاد لابن القيم ج ١ ص ١٦٨.
(٢) انظر: تاريخ بغداد ج ١٠ ص ٣٣٢، والمنتظم ج ٥ ص ٤٨، وتاريخ دمشق، وطبقات الحنابلة ج ١ ص ٢٠١، والمنهج الأحمد ج ١ ص ١٤٩، وتهذيب الكمال ورقة (٤٤٢ - ب)، وتهذيب التهذيب ج ٧ ص ٣٣.
(٣) سأذكر الخبر كاملاً في وفاته.
(٤) انظر: تاريخ بغداد ج ١٠ ص ٣٣١، ومقدمة الجرح والتعديل ص ٣٣٣، وتهذيب الكمال ورقة (٤٤٢ - ب) وغير ذلك.