[الفصل الثالث: الرواة الذين روي عنه تعديلهم وتجريحهم]
وقفت أثناء جمعي وتتبعي لألفاظ أبي زرعة في الجرح والتعديل على مجموعة من الرواة جرحهم تارة، وعدلهم مرة أخرى، أو قد يطلق فيهم عبارات يجمع فيها التوثيق والتجريح معاً سواء التي لم يترجح فيها جانب التوثيق على جانب التجريح أو العكس، فظننت أن عباراته هذه قد اضطرب فيها، وبعد دراستي لألفاظ الجرح والتعديل وجدت الأئمة الآخرين الذين يرجع إليهم في هذا الشأن، قد استخدموا نفس الأسلوب. فقد جمعوا في مجموعة كبيرة من الرواة عبارات جمعوا فيها بين لفظ التوثيق والتجريح، وإن دل هذا الأسلوب على شيء فإنما يدل على ورعهم في استخدام الألفاظ، ودقتهم في التعبير وكأنهم يزنون الرجال بميزان دقيق فلا يبخسون الرواة حقهم، ولو ترجح عندهم التجريح بقرينة وأخرى لحكموا بجرحهم وكذلك لو ترجح عندهم التوثيق على ضوء قرائن التعديل لعدولهم ولكنهم ذكروا التجريح والتوثيق معا وسأحاول جاهدا إيضاح هذا الأسلوب، أما الشق الأول منه أعني تجريحه للراوي مرة وتوثيقه مرة أخرى، فيمكن أن يكون ذلك الراوي عنده ثقة ثم يظهر منه ما يبرر له تجريحه كأن يحدث بحديث ضعيف ثبت عند أبي زرعة ضعف طرقه أو يعتمد على تجريح أحد الأئمة، ويعول على تجريحه فمثلا أيوب ابن عتبة اعتمد في تجريحه وتوثيقه على شيخه داود بن سليمان بن شعبة اليمامي، وكان عالما بأهل اليمامة (١)،
(١) قال أبو حاتم: "أيوب بن عتبة فيه لين قدم بغداد ولم يكن معه كتبه فكان يحدث من حفظه على التوهم فيغلط، وأما كتبه في الأصل فهي صحيحة عن يحيى بن أبي كثيرة قال لي سليمان بن شعبة هدا الكلام وكان عالما بأهل اليمامة وقال: "هو أروى الناس عن يحيى بن أبي كثير وأصح الناس كتابا عنه" انظر: الجرح والتعديل ج ١/ ق ١/ ٢٥٣؛ وتهذيب التهدب ج ١/ ٤٠٩.