للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

والصواب أن أبا زرعة وأبا حاتم لما وقفا على كتاب التاريخ الكبير للبخاري وجدا فيه نقصا في بعض التراجم، من حيث ضبط الأسماء أو الكنى، أو منزلتهم في تحمل الحديث وروايته. ولما كانا يمتلكان القدرة على التمييز والفهم لمراد الأئمة في ألفاظهم التي استعملوها في تجريح الرواة وتوثيقهم، صنف كل منهما كتابا في الجرح والتعديل على نفس منهج البخاري، مع الزيادة في حجمه وبعض التغيير في هيكله، وضبط بعض الأسماء والكنى التي قد أخطأ فيها البخاري (١) حسب اجتهادهما ومن ثم جمع كتابيهما ابن أبي حاتم في كتابه المشهور المعروف بالجرح والتعديل (٢)، وأضاف إلى كتابيهما ما دوّنه عن شيوخه وما اجتهد به من أحكام على الرواة ومن يطيل النظر والدراسة لكتابه يجد مصداق ذلك. ولقد أحسن الحافظ ابن رجب في كلامه وحكمه على ذلك بقوله حين كلامه عن مصادر الترمذي في كتاب العلل: "وأما التواريخ والعلل والأسماء ونحو ذلك، فقد ذكر أن أكثر كلامه فيه استخرجه من كتاب تاريخ البخاري وهو كتاب جليل لم يسبق إلى مثله رحمه الله، ورضي عنه وهو جامع لذلك كله. ثم لما وقف عليه أبو زرعة وأبو حاتم الرازيان رحمهما الله صنفا على منواله كتابين: أحدهما: كتاب الجرح والتعديل، وفيه ذكر الأسماء فقط. وزاد على ما ذكره البخاري أشياء من الجرح والتعديل وفي كتابيهما من ذلك شيء كثير لم يذكره البخاري (٣).

١٧ - كتاب بيان خطأ أبي عبد الله محمد بن إسماعيل البخاري في تاريخه.

وهو عبارة عن كتاب صنفه أبو زرعة بعد اطلاعه على كتاب التاريخ الكبير للبخاري ضمنه الأخطاء والأوهام التي وجدها فيه. روى الخطيب بسنده إلى أبي علي صالح بن محمد الحافظ أنه قال: "قال لي أبو زرعة: يا أبا علي نظرت في كتاب محمد بن إسماعيل هذا أسماء الرجال فإذا فيه خطأ كثير، فقلت


(١) ينقل ابن أبي حاتم في الجرح والتعديل عن أبي زرعة في مواضع كثيرة ما يدل على مخالفته للبخاري. وانظر الكلام في بيان خطأ البخاري ص ٢٢٦.
(٢) كتاب الجرح والتعديل طبع بحيدر آباد في ثمانية أجزاء ١٩٤١ م- ١٩٥٣ م.
(٣) انظر: شرح علل الترمذي ص ٥٩.