للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[١٥ - رحلته إلى مصر]

رحل أبو زرعة الى مصر في خرجته الثانية من الري- من سنة ٢٢٧ - أول سنة (٢٣٢) هـ- بعد أن أدى فريضة الحج وطوف في مدن عديدة. وكذلك دخلها في رحلته الثالثة كما مر في حديثه عن رحلاته. ولقد أثنى على الحركة العلمية في مصر وعلمائها، ولا شك في ذلك فهي كما يقول السخاوي: "بلد عظيم، وقطر متسع، شرقي وغربي، وصعيد أعلى وأدق، افتتحها عمرو في زمن عمر رضي الله عنهما، وسكنها خلق من الصحابة، وكثر العلم بها، زمن التابعين، ثم ازداد في زمن عمرو بن الحارث، يحيى بن أيوب، وحيوة بن شريح، والليث بن سعد، وابن لهيعة، وإلى زمن ابن وهب، والشافعي، وابن القسم، وأصحابهم. وما زال بها علم جم إلى أن ضعف ذلك باستيلاء العبيديين الرافضة عليها سنة (٣٥٨) هـ وبنوا القاهرة) (١)، وهذه بعض أخبار أبي زرعة فيها حيث كان يستفيد ويفيد، روى الخطيب بسنده إلى أبي حفص عمر بن مقلاص أنه قال: "كان أبو زرعة ها هنا عندنا بمصر سنة تسع وعشرين ومائتين إذا فرغ من سماع ابن بكير وعمرو بن خالد والشيوخ اجتمع إليه أصحاب الحديث فيملي عليهم وهو ابن سبع وعشرين سنة" (٢)، ولقد أقام أبو زرعة بمصر في رحلته هذه خمسة عشر شهراً (٣)، حتى تمكن من سماع جميع كتب الشافعي من الربيع قبل موت البويطي بأربع سنين (٤)، والذي جعله يمكث هذه المدة وفرة العلماء، وغزارة علمهم.

يقول أبو زرعة: "وكنت عزمت في بدو قدومي مصر أني أقل المقام بها، فلما رأيت كثرة العلم بها وكثرة الاستفادة عزمت على المقام ولم أكن عزمت على سماع كتب الشافعي، فلما عزمت على المقام وجهت إلى أعرف رجل بمصر


(١) انظر: الإعلان بالتوبيخ ص ٦٦٢.
(٢) انظر: تاريخ بغداد ج ١٠/ ٣٢٧، وتاريخ دمشق لابن عساكر.
(٣) انظر: مقدمة الجرح والتعديل ص ٣٣٥.
(٤) انظر: تهذيب التهذيب ج ٣ ص ٢٤٦، والربيع توفي سنة ٢٥٦ هـ. وتوفي البويطي سنة ٢٣٢ هـ. وانظر ترجمتهما: حين الكلام عن مذهب أبي زرعة الفقهي.