للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

القيل والقال" (١).

فهذه طريقة الإمام أحمد، ومن تبعه من المحدثين، رأس مالهم في الاجتهاد والفتيا حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد كتاب الله عز وجل، ثم يليهما في الرتبة أقوال فتاوى الصحابة ومن بعدهم من التابعين، وكان أبو زرعة يرى أن من يتصدر للفتيا في مسائل الطلاق عليه أن يحفظ قدراً كبيراً من الحديث فيقول: "عجبت ممن يفتي في مسائل الطلاق يحفظ أقل من مائة ألف حديث" (٢).

ومما يدل على تأثره بطريقة الإمام أحمد قوله: "اختيار أحمد وإسحاق أحب إليّ من قول الشافعي، وما أعرف في أصحابنا أسود الرأس أفقه من أحمد" (٣)، ولقد ذكر ابن عبد البر أن أبا زرعة قال: فيمن أسلم على ميراث قبل أن يقسم إنه له" (٤). وتابع في هذا إمامه أحمد (٥)، ولقد مدحه أحد أصحابه بقوله:

فتى حنبلي الرأي لايتبع الهوى … ولكنه من خشية الله يحذر

يؤدي عن الآثار لا الرأي همه … وعن سلف الأخيار ماسيل يخبر

فتى صيغ من فقه بل الفقه صوغه … مثال عبيدالله مافيه يشكر

تمنى رجال أن يكونوا كمثله … وقد شيبتهم في الرياسة أعصر (٦)

[٢ - عقيدته، وأقواله في المعتقد]

لقد نهج كثير من السلف الصالح على تدوين اعتقادهم ضمن مصنفاتهم ومؤلفاتهم أو يقررونها على تلاميذهم. وأبو زرعة شأنه شأن أئمة الحديث في ذلك إلا أننا لم نقف على مصنف دونه بنفسه في العقيدة إلا أن تلميذه الملازم له


(١) انظر: المدخل إلى مذهب الإمام أحمد ص ٤٤ - ٤٥.
(٢) انظر: الإرشاد ج ٦، في ترجمته.
(٣) انظر: سير أعلام النبلاء في ترجمته.
(٤) انظر: التمهيد لابن عبد البر ج ٢ ص ٥٩، وانظر كذلك مناظرته لأبي حاتم في مسألة رفع اليدين في القنوت، سير أعلام النبلاء، وتاريخ بغداد ج ٢ ص ٧٦.
(٥) انظر: المغنى لابن قدامة المقدسي ج ٦ ص ٢٩٨.
(٦) انظر: مقدمة الجرح والتعديل ص ٣٧٣.