للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الذين عنوا بفقه الحديث حتى إن الحاكم ذكره ضمن فقهاء المحدثين، وأفرده بترجمة كباقي الأئمة كالزهري، والأوزاعي، وابن عيينة وابن المبارك، ويحيى القطان، وابن مهدي، وأحمد بن حنبل، وابن المديني، وغيرهم، وذكر قبل تراجمهم المقصود بفقه الحديث فقال: "بعد معرفة فقه الحديث، إذ هو ثمرة هذه العلوم، وبه قوام الشريعة، فأما فقهاء الإسلام أصحاب القياس، والرأي والاستنباط، والجدل، والنظر فمعروفون في كل عصر، وأهل كل بلد، ونحن ذاكرون بمشيئة الله في هذا الموضع فقه الحديث عن أهله ليستدل بذلك على أن أهل هذه الصنعة من تبحر فيها لا يجهل فقه الحديث إذ هو نوع من أنواع هذا العلم" (١) وبقول الحاكم هذا يرد كلام ابن القيم رحمه الله.

وبناء على قول الحاكم هذا أرجح أن أبا زرعة اتبع طريقة الإمام أحمد في الفقه وأصبح من أتباعه، وقد تكون منزلته كمنزلة المجتهدين الذين يتبعون بعض الأئمة واجتهادهم داخل مذاهب أولئك الأئمة، فلا يخرجون عن قواعدهم في الاستنباط والاجتهاد، واجتهادهم يكون تفريعا على أصول أئمة المذاهب. وسأذكر طريقة الإمام أحمد بن حنبل في استنباط الأحكام الشرعية، وأذكر بعض الشواهد التي تدل على متابعة أبي زرعة له. بين الحافظ ابن رجب أن العلماء حيال المسائل المفروضة ينقسمون ثلاثة أقسام، ثم ذكر أن الطريقة المثلى في ذلك هي طريقة أحمد بن حنبل ثم قال في تقسيمه للعلماء: " … وأما فقهاء أهل الحديث العاملون به، فإن معظم همهم البحث عن معاني كتاب الله عز وجل، وما يفسره من السنن الصحيحة، وكلام الصحابة والتابعين بإحسان، وعن سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وصحيحها وسقيمها، ثم الفقه فيها وتفهيمها والوقوف على معانيها، ثم معرفة كلام الصحابة والتابعين لهم بإحسان في أنواع العلوم من التفسير والحديث، ومسائل الحلال والحرام، وأصول السنة، والزهد والرقائق، وغير ذلك. وهذه هي طريقة الإمام أحمد ومن وافقه من أهل الحديث الربانيين، وفي معرفة هذا شغل شاغل عن التشاغل بما أحدث من الرأي مما لا ينتفع به ولا يقع، وإنما يورث التجادل فيه الخصومات والجدال وكثرة


(١) انظر: معرفة علوم الحديث للحاكم ص ٦٣.