للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ويقول: لم يعمل صاحبك شيئا في اختياره لنفسه لا يمكنه الانفصال فيما ادعى. قلت: هل سمعت منه شيئا؟ قال: لا، وما جالسته إلا يومين" (١).

إضافة إلى هذه الحصيلة الفكرية الغزيرة فقد اطلع على مذهب شيخه الكبير أحمد بن حنبل، فقد ذكره القاضي أبو الحسين محمد بن أبي يعلى الفراء في جملة من نقل الفقه عن الإمام أحمد (٢)، وذكر أبو بكر الخلال أنه "روى عن الإمام أحمد الكثير من المسائل الغريبة، وأنه كان يحفظ حديثه كله" (٣).

بعد هذا العرض الذي بين الإحاطة الواسعة لأبي زرعة في مذاهب الأئمة رحمهم الله من أتباع التابعين إضافة إلى اغترافه من مشكاة النبوة وعلل نهله بآثار أصحابه رضي الله عنهم نتساءل هل استقر على مذهب معين أم انفرد بطريقة خاصة ومذهب معروف في استنباط الأحكام والفتيا؟ أم بقي ضمن الحفاظ الذين يحفظون الأحاديث والآثار وآراء الفقهاء ولا قدرة لهم على الاستنباط كما يرى ذلك ابن القيم حيث قسم العلماء إلى قسمين فيقول: "قسم حفاظ معتنون بالضبط، والحفظ، والآداء كما سمعوا ولا يستنبطون ولا يستخرجون كنوز ما حفظوه، وقسم معتنون بالاستنباط، واستخراج الأحكام من النصوص والتفقه فيها. فالأول كأبي زرعة وأبي حاتم وابن وارة، وقبلهم كبندار محمد بن بشار، وعمرو الناقد، وعبد الرزاق، وقبلهم كمحمد بن جعفر وسعيد بن أبي عروبة، وغيرهم من أهل الحفظ والإتقان والضبط لما سمعوه من غير استنباط وتصرف، واستخراج الأحكام من ألفاظ النصوص" (٤). فأقول وبالله التوفيق: لا شك أن أبا زرعة من الحفاظ المتقنين الذين شهد لهم بالضبط والإتقان وهو أحد الحفاظ


(١) انظر: الإرشاد في معرفة علماء الحديث ج ٣، في ترجمة المزني، وتذكرة الحفاظ ج ٢ ص ٧٤٣ - ٧٤٤.
(٢) انظر: طبقات الحنابلة ج ١ ص ٧.
(٣) انظر: طبقات الحنابلة ج ١ ص ١٩٩، والمنهج الأحمد ج ١ ص ١٤٨، والمقصود بالمسائل الغريبة في الفقه هي المسائل التي لا يكثر وقوعها أو نادرة الحدوث والله أعلم.
(٤) انظر: الوابل الصيب لابن قيم الجوزية ص ١٢٨، وما تمس إليه الحاجة لمن يطالع سنن ابن ماجة ص ٢٠.