للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

عم أقرانه وشيوخه، وليس هذا في حدود الري بل في البلاد الأخرى أيضا حتى إن إمام السنة أحمد بن حنبل كان يقتصر على أداء الفرائض حينما ينزل عنده أبو زرعة في زياراته لبغداد حرصا على مذاكرته، وصحح أحاديث كان مترددا في ثبوتها بمعرفته، وكثيرا ما كان يحتكم أقرانه إليه ليميّز لهم الأحاديث المعللة من الصحيحة (١)، حتى إن الحافظ محمد بن مسلم بن وارة كان يسأله عن بعض ما يخفى عليه من فقه الحديث وغريبه، من ذلك ما ذكر عنه أنه قال: "مازلت أستجفي عائشة رضي الله عنها في قولها لرسول الله صلى الله عليه وسلم: وبمنة الله لا بمنتك" حتى سألت أبا زرعة الرازي فقال: وآت الحمد أهله" (٢) ولقد كان العلماء يطمئنون للأثر أو الخبر بمجرد إقرار أبي زرعة له، فقد أورد ابن الصلاح في مقدمته خبرا يتعلق بتحديد مفهوم الصحبة والصحابي ثم قال: "إسناده جيد حدث به مسلم بحضرة أبي زرعة" (٣).

ويرجع الفضل إليه في خلو صحيح مسلم من الأحاديث المنتقدة. يقول ابن الصلاح: "ومما جاء في فضل صحيح مسلم ما بلغنا عن مكي ابن عبدان أحد حفاظ نيسابور أنه قال: سمعت مسلما يقول: عرضت كتابي هذا على أبي زرعة الرازي فكل ما أشار أن له علة تركته، وكل ما قال إنه صحيح وليس له علة خرجته" (٤).

وهذه طائفة من نصوص التقدير والإعجاب التي توضح وتبين لنا مكانة محدثنا بين علماء عصره. قال أبو زرعة: سمعت إبراهيم بن موسى يقول لي: "أجد منك ريح الولد" (٥) أي يحبه كحبه لأولاده.


(١) انظر: تاريخ بغداد ج ١٠ ص ٣٣٠ - ٣٣١، وتهذيب التهذيب ج ٧ ص ٣٣ ومقدمة الجرح والتعديل، ص ٣٣٧.
(٢) انظر: وفيات الأعيان لابن خلكان ج ٣ ص ١٧.
(٣) انظر: التقييد والإيضاح ص ٢٩٩.
(٤) انظر: صحيح مسلم بشرح النووي ج ١ ص ١٥ وكذا في ص ٢٦.
(٥) انظر: مقدمة الجرح والتعديل ص ٣٤٢.