ويعكروا صفو بحره العميق، فأخذوا يدرسون الدين بعمق وشمول، ودخلوا من بعض المداخل تارة بل إن معظم وأخطر المداخل حب أهل بيت النبي الكريم صلى الله عليه وآله وسلم، وتارة بتأويل بعض الآيات أو الأحاديث المتعلقة بالصفات أو الذات الإلهية.
ومنها: ترجمة كتب بعض العلوم التي أدخلت على الفكر الإسلامي الصافي شبهات الأمم ومعضلاتها التي كانت سبباً في تناحرها، وهلاكها، تلك كتب علم الكلام والمنطق والفلسفة التي أشار أحد طواغيت الروم وكهانهم على عظيمهم بعد تمنعه في الموافقة على ترجمتها إلى اللغة العربية - لما طلب منه الخليفة المأمون ذلك- وبرر هذا الحاقد اللئيم بأن هذه العلوم ما دخلت على أمة إلا أهلكتها، وقد تأثر بهذه النقول المعتزلة ومن والاهم، والجهمية ومن جاراهم، فبثت هذه السموم في أقطار الدولة الإسلامية.
ومنها: الري فأصابها ما أصاب غيرها من بعض المعتقدات وتأثر بها عدد غير قليل من الناس مما جعل المؤمنين المخلصين والأئمة العارفين ينافحون عن المعتقد الصحيح، ودعوة الناس وحملهم وترغيبهم للتمسك بكتاب الله وسنة رسوله. هذا من جهة، ومن جهة أخرى كانت هنالك المذاهب الفقهية واعتزاز كل فقيه بمذهبه، واعتقاده بصحة منهجه وحسن استنباطه واجتهاده، وكل هذه الآراء الفكرية والمذاهب الفقهية بلا شك تعمل على شحذ الهمم والبحث عن الحجج ودراسة الآراء والرد على المخالفين المعترضين وتفنيدها وتقعيد القواعد والأصول، ومن ثم تكوين أسس تلك المدرسة الفقهية أو الكلامية، وهذا بمجموعه عمل على تكوين تراث علمي، ونشاط فكري لمدينة الري، وسأذكر طرفاً من أخبار وأحوال أهل الري الفكرية والمذاهب الفقهية وما كان عليه الناس في عصر - إمامنا- أبي زرعة الرازي، وأختمه بدوره في ذلك.