للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وظل ملتزماً بمنهجه هذا ثابتا عليه مما جعل أهل الرأي يستعينون بأمير البلد ليمنعه من التحديث ونشر السنة.

يقول أبو زرعة: "قال لي السري بن معاذ: لو أني قبلت لأعطيت مائة ألف درهم قبل الليل فيك وفي ابن مسلم- أي محمد بن مسلم بن وارة- من غير أن أحبسكم ولا أضربكم أكثر من أن أمنعكم من التحديث" (١) ولقد كانوا يعمدون إلى بعض ألوان الاستفزاز له، وذلك أن منهم من كان يجلس في مجلسه، ويلقي عليه أحاديث موضوعة باطلة على سبيل الامتحان وإظهار إعجازه عن الجواب عنها، فقد روي عن الحافظ أبي محمد عبد الله بن محمد بن وهب الدينوري المتوفى سنة (٣٠٨) هـ أنه قال: حضرت أبا زرعة، وخراساني يلقي عليه الموضوعات وهو يقول: باطل، والرجل يضحك، ويقول: كل ما لا يحفظه يقول باطل، فقلت: يا هذا ما مذهبك؟ قال: حنفي، قلت: ما أسند أبو حنيفة عن حماد؟ فوقف، فقلت: يا أبا زرعة ما تحفظ لأبي حنيفة عن حماد فسرد أحاديث، فقلت للعلج: ألا تستحي؟ تقصد إمام المسلمين بالموضوعات وأنت لاتحفظ حديثاً لإمامك؟ فأعجب ذلك أبا زرعة وقبلني (٢).

وهكذا لقي في سبيل نشر السنة ما لقي وثبت عليها وثبت من معه، ولا يفوتني أن أذكر موقفه مع المعتدلين منهم فهؤلاء كان يعاملهم معاملة تختلف عن المتزمتين المتعصبين، فقد أثنى على المعلى بن منصور الرازي (٣) على الرغم من معرفته لرأي شيخه الإمام أحمد فيه. يقول أبو زرعة: "رحم الله أحمد بن حنبل، بلغني أنه كان في قلبه غصص من أحاديث ظهرت عن المعلى بن منصور، كان يحتاج إليها، وكان المعلى أشبه القوم بأهل العلم؛ ذلك أنه كان


(١) انظر: مقدمة الجرح والتعديل ص ٣٤٧.
(٢) انظر: تذكرة الحفاظ ج ٢ ص ٧٥٤ - ٧٥٥ في ترجمة الدينوري.
(٣) مضت ترجمته في نماذج من علماء الري والسبب الذي من أجله ترك أحمد الرواية عنه هو ما ذكره أبو حاتم حيث قال: "قيل لأحمد كيف لم تكتب عن معلى، قال: كان يكتب الشروط، ومن كتبها لم يخل من أن يكذب". انظر: الجرح والتعديل ج ٤/ ق ١/ ٣٣٤ وتهذيب التهذيب ج ١٠ ص ٢٣٩ وتاريخ بغداد ج ١٣ ص ١٨٩. والشروط: كتابة الوثائق بالديون والمبيعات وغير ذلك. انظر: اللباب ج ٢ ص ١٩٣.