للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

العلماء في مجالسهم، ويأخذ عنهم سواء عن الذين يمرون بالري، أو الذين نزلوا بها، ولقد كان علماء بلده يعرفون فضله وحفظه للحديث منذ نعومة أظفاره، ويفتخرون به أمام من يقدم عليهم من الحفاظ، فقد روى الخطيب بسنده إلى أبي العباس محمد بن إسحاق الثقفي أنه قال "لما انصرف قتيبة بن سعيد (١) إلى الري سألوه أن يحدثهم فامتنع وقال: أحدثكم بعد أن حضر مجالسي أحمد بن حنبل، ويحيى بن معين، وعلي بن المديني، وأبو بكر بن أبي شيبة وأبو خيثمة؟ قالوا له: فإن عندنا غلاماً يسرد كل ما حدثت به مجلساً مجلساً، قم يا أبا زرعة، فقام أبو زرعة فسرد كل ما حدث به قتيبة، فحدثهم قتيبة" (٢).

ومما يدل على تبكيره في طلب العلم وتقييد الحديث قوله عن نفسه "إن في بيتي ما كتبته منذ خمسين سنة ولم أطالعه منذ كتبته .. " (٣). ولم أقف على نص يحدد لنا بالضبط السنة التي ابتدأ بها أبو زرعة تلقّيه العلم، وروايته للحديث إلا أن الحاكم النيسابوري ذكر أن أبا زرعة ارتحل من الري وهو ابن ثلاث عشرة سنة (٤).

ومن المعلوم أن طالب العلم قبل أن يبتدئ بالرحلة في طلب الحديث،


(١) (ع) قتيبة بن سعيد بن جميل بن طريف بن عبد الله الثقفي مولاهم أبو رجاء البغلاني، روى عن مالك والليث، وجرير بن عبد الحميد، وغيرهم، وعنه الجماعة سوى ابن ماجة، وروى له الترمذي أيضاً وابن ماجة بواسطة أحمد بن حنبل، وأبو بكر بن أبي شيبة، وابن المدينى، والحميدي وغيرهم. قال ابن معين، وأبو حاتم، والنسائي: ثقة، وزاد النسائي صدوق، وقال أحمد بن سيار المروزي: "كان ثبتاً فيما روى صاحب سنة وجماعة ولد سنة ١٥٠ هـ، وتوفي سنة ٢٤٠ هـ. روى له البخاري ٣٠٨ أحاديث ومسلم ٦٦٨، انظر: تهذيب التهذيب ج ٨ ص ٣٥٨ - ٣٦١، والجرح والتعديل ج ٣/ ق ٢/ ١٤٠
(٢) انظر: تاريخ بغداد ج ١٠ ص ٣٣٢، وتاريخ دمشق لابن عساكر، في ترجمة أبي زرعة. وشرح علل الترمذي ص ١٩٠.
(٣) انظر: تاريخ بغداد ج ١٠ ص ٣٣٢، وطبقات الحنابلة ج ١ ص ٢٠١، والمنهج الأحمد ج ١ ص ١٤٩، وتهذيب الكمال للمزي مخطوط (٤٤٢ - ب-)، وتهذيب التهذيب ج ٧ ص ٣٣.
(٤) انظر: سير أعلام النبلاء في ترجمة أبي زرعة حيث نقل الذهبي الخبر من كتاب (الجامع لذكر أئمة الأمصار المزكين لرواة الأخبار) للحاكم.