للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

مَنِ اتَّبَعَ غيرَ المذاهبِ الأربعةِ سَيَظُنُّ باديَ الرأْيِ أنَّهُ أمامَ حنبليٍّ جلدٍ متعصِّبٍ لمذهبِهِ لا يَعْرِفُ غيرَهُ.

لكنَّ الواقعَ العمليَّ لا يَدْعَمُ هذا الاستنتاجَ بوجهٍ مِن الوجوهِ:

فابنُ رَجَبٍ عظيمُ العنايةِ بنصوصِ الكتابِ والسُّنَّةِ إلى درجةٍ يَعِزُّ نظيرُها، لا يَذْكُرُها استدلالًا لصحَّةِ المذهبِ بل أصلًا يُتَّبَعُ ويُعْمَلُ بمقتضاهُ ويُدارُ معَهُ حيثُ دارَ.

وهوَ حفيٌّ جدًّا بنقلِ أقوالِ الأئمَّةِ وأصحابِهِم في مختلفِ القضايا الفقهيَّةِ، وترجيحِ ما وافَقَ الدَّليلَ منها، وتبجيلِ أصحابِها.

قالَ العَسْقَلانِيُّ: "نُقِمَ عليهِ إفتاؤُهُ بمقالاتِ ابن تَيْمِيَّةَ ثمَّ أظْهَرَ الرُّجوعَ عن ذلكَ فنافَرَهُ التَّيْمِيُّونَ فلم يَكُنْ معَ هؤلاءِ ولا معَ هؤلاءِ، وكانَ قد تَرَكَ الإفتاءَ بأخرةٍ".

وهذا - إنْ قُرِئَ بعمقٍ بعيدًا عن السَّطحيَّةِ - يَدُلُّ دلالةً أكيدةً على اعتدالِ ابن رَجَبٍ وبعدِهِ عن العصبيَّةِ المذهبيَّةِ واتِّباعِهِ لما يَراهُ أقربَ إلى الحقِّ وأولى بنصوصِ الكتابِ والسُّنَّةِ. وذلكَ أن ابنَ رَجَبٍ يَعْلَمُ تمامَ العلمِ أن تراجعَهُ عن بعضِ مقالاتِ شيخِ الإسلامِ لن يُقَرِّبَهُ إلى أعدائِهِ ويَرْفَعَهُ عندَهُم بل سَيُنَفِّرُ عنهُ بعضَ المتشدِّدينَ مِن أتباعِ شيخِ الإسلام - وهذا ما حَصَلَ -، ومعَ ذلكَ؛ فقد آثَرَ ما رآهُ حقًّا وصَدَعَ بهِ، وهذهِ مئنَّةُ الصِّدقِ والورعِ. ومِن الطَّبيعيِّ أنْ يَتَأثَّرَ طالبُ العلمِ أوَّلَ الأمرِ بمذاهبِ أشياخِهِ ثمَّ يَسْتَقِلَّ ببعضِ الآراءِ بعدَما تَكْتَمِلُ شخصيَّتُهُ العلميَّةُ.

• سابعًا: ثناء أهل العلم عليه

قالَ ابن حِجِّي: "أتْقَنَ الفنَّ وصارَ أعرفَ أهلِ عصرِهِ بالعللِ وتتبُّعِ الطُّرقِ".

وقالَ ابنُ ناصِرِ الدِّينِ الدِّمَشْقِيُّ: "الشَّيخُ، الإمامُ، العلَّامةُ، الزَّاهدُ، القدوةُ، البركةُ، الحافظُ، العمدةُ، الثِّقةُ، الحجَّةُ، أوعظُ المسلمينَ، مفيدُ المحدِّثينَ … أحدُ الأئمَّةِ الزهَّادِ والعلماءِ العبَّادِ".

وقالَ ابنُ قاضي شُهْبَةَ: "الشَّيخُ، الإمامُ، العلَّامةُ، الحافظُ، الزَّاهدُ، الورعُ، شيخُ الحنابلةِ وفاضلُهُم، أوحدُ المحدِّثينَ".

وقال العَسْقَلانِيُّ: "الشَّيخُ، المحدِّثُ، الحافظُ، مَهَرَ في فنونِ الحديثِ أسماءً

<<  <   >  >>