للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وإنَّما أمَرَ بسؤالِ العفوِ في ليلةِ القدرِ بعدَ الاجتهادِ في الأعمالِ فيها وفي ليالي العشرِ؛ لأنَّ العارفينَ يَجْتَهِدونَ في الأعمالِ، ثمَّ لا يَرَوْنَ لأنفسِهِم عملًا صالحًا ولا حالًا ولا مقالًا، فيَرْجِعونَ إلى سؤالِ العفوِ كحالِ المذنبِ المقصِّرِ.

قالَ يَحْيى بنُ مُعاذٍ: ليسَ بعارفٍ مَن لم يَكُنْ غايةُ أملِهِ مِن اللهِ العفوَ.

إنْ كُنْتُ لا أصْلُحُ لِلْقُرْبِ … فَشَأْنُكُمْ عَفْوٌ عَنِ الذَّنْبِ

كانَ مُطَرِّفٌ يَقولُ في دعائِهِ: اللهمَّ! ارضَ عنَّا، فإنْ لمْ تَرْضَ عنَّا؛ فاعْفُ عنَّا.

مَن عَظُمَتْ ذنوبُهُ في نفسِهِ؛ لم يَطْمَعْ في الرِّضى وكانَ غايةُ أملِهِ أنْ يَطْمَعَ في العفوِ، ومَن كَمَلَتْ معرفتُهُ؛ لمْ يَرَ نفسَهُ إلَّا في هذهِ المنزلةِ.

يا رَبِّ عَبْدُكَ قَدْ أتا … كَ وَقَدْ أساءَ وَقَدْ هَفا

يَكْفيهِ مِنْكَ حَياؤُهُ … مِنْ سوءِ ما قَدْ أسْلَفا

حَمَلَ الذُّنوبَ عَلى الذُّنو … بِ الموبِقاتِ وَأسْرَفا

وَقَدِ اسْتَجارَ بِذَيْلِ عَفْـ … ـــــــــوِكَ مِنْ عِقابِكَ مُلْحِفا

يا رَبِّ فَاعْفُ (١) وَعافِهِ … فَلأنْتَ أوْلى مَن عَفا

[المجلس السادس في وداع شهر رمضان]

في الصَّحيحينِ (٢) مِن حديثِ: أبي هُرَيْرَةَ، عن النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم -؛ قالَ: "مَن صامَ رمضانَ إيمانًا واحتسابًا؛ غُفِرَ لهُ ما تَقَدَّمَ مِن ذنبِهِ، ومَن قامَ ليلةَ القدرِ إيمانًا واحتسابًا؛ غُفِرَ لهُ ما تَقَدَّمَ مِن ذنبِهِ".

وفيهِما (٣) أيضًا مِن حديثِ: أبي هُرَيْرَةَ أيضًا، عن النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم -؛ قالَ: "مَن قامَ


(١) في خ و م: "فاعف عنه"! ولا يستقيم الوزن إلّا بحذف "عنه".
(٢) البخاري (٣٠ - الصوم، ٦ - من صام رمضان، ٤/ ١١٥/ ١٩٠١)، ومسلم (٦ - المسافرين، ٢٥ - الترغيب في قيام رمضان، ١/ ٥٢٣/ ٧٦٠).
(٣) البخاري (٣١ - التراويح، ١ - من قام رمضان، ٤/ ٢٥٠/ ٢٠٠٨ و ٢٠٠٩)، ومسلم (٦ - المسافرين، ٢٥ - الترغيب في قيام رمضان، ١/ ٥٢٣/ ٧٥٩).

<<  <   >  >>