للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

رمضانَ إيمانًا واحتسابًا؛ غُفِرَ لهُ ما تَقَدَّمَ مِن ذنبِهِ".

ولِلنَّسائِيِّ في روايةٍ: "مَن صامَ رمضانَ إيمانًا واحتسابًا؛ غُفِرَ لهُ ما تَقَدَّمَ مِن ذنبِهِ وما تَأخَّرَ" (١).

وقد سَبَقَ في قيامِ ليلةِ القدرِ مثلُ ذلكَ مِن روايةِ عُبادَةَ بن الصَّامتِ (٢).

• والتَّكفيرُ بصيامِهِ [قد] وَرَدَ مشروطًا بالتَّحفُّظِ ممَّا يَنْبَغي أنْ يُتَحَفَّظَ منهُ.


(١) (شاذّ بهذا التمام). رواه النسائي في "الكبرى" (٢٥١٢): أنبأ قتيبة بن سعيد ومحمّد بن عبد الله بن يزيد قالا: ثنا سفيان، عن الزهري، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة … رفعه. بمثل رواية الشيخين ثمَّ قال: "في حديث قتيبة: وما تأخّر".
وهذا سند رجاله ثقات رجال الشيخين لكنّ له عللًا: أولاها: أن قتيبة نفسه لم يستقرّ على هذه الزيادة. فرواه النسائي (٢٥١٣): أنبأ قتيبة، ثنا سفيان، عن الزهري، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة … رفعه دون ذكر "وما تأخّر". والثانية: أنّ جمهور أصحاب سفيان رووا هذا الحديث عنه ولم يذكروا فيه هذه الزيادة. والثالثة: أن جمهور أصحاب الزهري رووا هذا الحديث عنه ولم يذكروا هذه الزيادة. ولذلك جزم ابن عبد البرّ في "التمهيد" (٧/ ١٠٥) بشذوذها.
تنبيه: قال العسقلاني في "الفتح" (٤/ ١١٥): "زاد أحمد من طريق حمّاد بن سلمة عن محمّد بن عمرو عن أبي سلمة "وما تأخّر"، وقد رواه أحمد أيضًا عن يزيد بن هارون عن محمّد بن عمرو بدون هذه الزيادة، ومن طريق يحيى بن سعيد عن أبي سلمة بدونها. ووقعت هذه الزيادة أيضًا في رواية الزهري عن أبي سلمة أخرجها النسائي عن قتيبة عن سفيان عنه، وتابعه حامد بن يحيى عن سفيان أخرجه ابن عبد البرّ في "التمهيد" واستنكره، وليس بمنكر فقد تابعه قتيبة كما ترى، وهشام بن عمّار وهو في "الجزء الثاني عشر من فوائده"، والحسين بن الحسن المروزي أخرجه في "كتاب الصيام" له، ويوسف بن يعقوب النجاحي أخرجه أبو بكر بن المقرئ في "فوائده"؛ كلّهم عن سفيان، والمشهور عن الزهري بدونها. وقد وقعت هذه الزيادة أيضًا في حديث عبادة بن الصامت عند الإمام أحمد من وجهين وإسناده حسن. وقد استوعبت الكلام على طرقه في كتاب "الخصال المكفّرة للذنوب المقدّمة والمؤخّرة"، وهذا محصّله" اهـ. قلت: فبعد هذا التفصيل أقرّ يرحمه الله بأن المشهور عن الزهريّ إسقاط هذه الزيادة، وهذا يقتضي أنّ أثباتها شاذّ، فعاد محصّل الكلام إلى حكم ابن عبد البرّ بشذوذها. وأمّا تتابع جماعة من الرواة على إثبات هذه الزيادة؛ فلا يزيدها قوّة؛ لأن كلًّا منهم لا يخلو أن يكون شاذًّا أو منكرًا في روايته هذه الزيادة عن شيخه، واجتماع الروايات الشاذة والمنكرة لا يقوّيها؛ لأنّه يقابلها من الجهة الأُخرى اجتماع الروايات المشهورة المعروفة، فترجح الأخيرة وتطيش الأولى. وأمّا تحسين حديث عبادة بهذه الزيادة؛ فلا يخلو من نظر تقدّم (ص ٤٤١) بيانه. والذي أراه - والله يغفر لي - أنّ هذه الزيادة من نوع العلل التي سمّاها بعض أهل الحديث "لزوم الطريق" حيث يدرج لسان الراوي أو يزلّ قلمه أو تنصرف أذنه عن اللفظ المسموع حقيقة إلى لفظ مشهور يشبهه، ولفظ آية الفتح {لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ} دارج على لسان الصغير والكبير وأسماعهم. والله أعلم.
(٢) (ضعيف بهذا التمام). تقدّم تفصيل القول فيه (ص ٤٤١).

<<  <   >  >>