• خامسًا: ملاحظات عامَّة على الكتاب
* حول الخطَّة والتقسيم والمنهج:
مِن خلالِ نظرةٍ سريعةٍ للوصفِ الآنفِ لمادَّةِ "اللطائف" أسْتَطيعُ أنْ أُقَرِّرَ ما يَلي:
١) قَدَّمَ الحافظُ ابنُ رَجَب لكتابِهِ بمقدِّمةٍ رصينةٍ تَلْتَزِمُ بالمعاييرِ العلميَّةِ المعتمدةِ اليومَ في أرقى الجامعاتِ الحديثةِ، وهذا أمرٌ يَنْدُرُ أنْ تَراهُ في غيرِ مصنَّفاتِ المحقِّقينَ المدقِّقينَ مِن أهلِ العلمِ، بل لا يَزالُ كثيرٌ مِن الأبحاثِ المعاصرةِ خلوًا منهُ.
وهذا المستوى الملفتُ للنَّظرِ للمقدِّمةِ يُرَجِّحُ أن ابنَ رَجَبٍ كَتبَها بعد انتهائِهِ مِن تصنيفِ الكتابِ أو راجَعَها على الأقلِّ وحَرَّرَها بعدَ ذلكَ، وقولُهُ: "جَعَلْتُ … وخَتَمْتُ … وخَتَمْتُ … "، هذهِ الأفعالُ الماضيةُ مشعرٌ قويٌّ بأنَّ الكتابَ كانَ قد تمَّ وانْتَهى قبلَ كتابةِ المقدِّمةِ أو تحريرِها.
٢) ثمَّ رَأيْت ابنَ رجبٍ يقولُ في وظائفِ ذي الحجَّةِ (ص ٥٩٤): "وسَنَذْكُرُهُ عندَ ذكرِ المحرَّمِ إنْ شاءَ اللهُ"! فهذا يَدُلُّ على أن ابنَ رَجَبٍ لم يُصَنِّفْ وظائفَ الشُّهورِ مبتدئًا بالمحرَّمِ منتهيًا بذي الحجَّةِ، وإلَّا لَقالَ: وقد ذَكَرْناهُ. فمِن المحتملِ أنَّهُ صَنَّفَ مفرداتِهِ على التَّيسيرِ لا على التَّرتيبِ. والأرجحُ والأقوى أنَّهُ صَنَّفَها بالتَّرتيبِ الزَّمانيِّ ابتداءً مِن الشَّهرِ الذي باشَرَ فيهِ بالعملِ، وهكذا جاءَ شهرُ المحرَّمِ بعدَ ذي الحجَّةِ، فيَكونُ تصنيفُهُ وتهذيبُهُ للكتابِ قدِ اسْتَغْرَقَ دورةَ سنةٍ كاملةٍ، فكانَ يُصَنِفُ في كلِّ شهرٍ وظائفَهُ الخاصَّةَ بهِ، يَشْهَدُ لهذا علوُّ الجانبِ الرُّوحيِّ في الكتابِ، ممَّا يوحي بأنَّ التَّجربةَ لم تَكُنْ نظريَّةً صرفةً بالنِّسبةِ لهُ، بل إنَّهُ خاضَها عمليًّا وربَّما دَرَّسَها لتلامذتِهِ مباشرةً على طريقةِ الأقدمينَ في المبادرةِ إلى بثِّ مصنَّفاتِهِم قبلَ اكتمالِها استعجالًا لبثِّ الخيرِ واكتسابًا لمزيدٍ مِن التَّحريرِ والتَّنقيحِ.
٣) جرى الحافظُ ابنُ رَجَبٍ في عرضِ مادَّةِ الكتابِ على طريقتِهِ في "جامع العلوم والحكم" حذوَ القذَّةِ بالقذَّةِ. فكانَ يَسْتَفْتحُ كلَّ مجلسٍ مِن مجالسِ الكتابِ بحديثٍ مِن مخرَّجاتِ الشَّيخينِ أو أحدِهِما غالبًا، فيَجْعَلُهُ رأْسًا للبابِ ويَنْطَلِقُ مِن خلالِ شرحِهِ إلى عرضِ مسائلِ البابِ والقضايا المتَّصلةِ بها، فيُعالِجُها معالجةً دقيقةً مستشهدًا بسيلٍ مِن
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute