للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

بالعفوِ؛ فإنَّهُ سبحانَهُ يُحِبُّ العفوَ.

قالَ بعضُ السَّلفِ الصَّالحينَ: لو عَلِمْتُ أحبَّ الأعمالِ إلى اللهِ؛ لأجْهَدْتُ نفسي فيهِ. فرَأى قائلًا يَقولُ لهُ في منامِهِ: إنَّكَ تُريدُ ما لا يَكونُ، إنَّ الله يُحِبُّ أنْ يَعْفُوَ ويَغْفِرَ (١).

وإنَّما أحَبَّ أنْ يَعْفُوَ؛ لِيَكونَ العبادُ كلُّهُم تحتَ عفوِهِ، ولا يُدِلُّ عليهِ أحدٌ منهُم بعملٍ (٢).

وقد جاءَ في حديثِ ابن عَبَّاسٍ مرفوعًا: "إنَّ الله يَنْظُرُ ليلةَ القدرِ إلى المؤمنينَ مِن أُمَّةِ مُحَمَّدٍ - صلى الله عليه وسلم - فيَعْفو عنهُم ويَرْحَمُهُم؛ إلَّا أربعةً: مدمنَ خمرٍ، وعاقًّا، ومشاحنًا، وقاطعَ رحمٍ" (٣).

لمَّا عَرَفَ العارفونَ جلالَهُ؛ خَضَعوا، ولمَّا سَمعَ المذنبونَ بعفوِهِ؛ طَمِعوا، ما ثَمَّ إلَّا عفوُ اللهِ أو النَّارُ.

لولا طمعُ المذنبينَ في العفوِ؛ لاحْتَرَقَتْ قلوبُهُم باليأْسِ مِن الرَّحمةِ، ولكنْ إذا ذَكَرَتْ عفوَ اللهِ؛ اسْتَرْوَحَتْ إلى بردِ عفوِهِ.

كانَ بعضُ المتقدِّمينَ يَقولُ في دعائِهِ: اللهمَّ! إنَّ ذنوبي قد عَظُمَتْ وجَلَّتْ عن الصِّفةِ، وإنَّها صغيرةٌ في (٤) جنبِ عفوِكَ، فاعْفُ عنِّي.

وقالَ آخرُ منهُم: جرمي عظيمٌ، وعفوُكَ كبيرٌ، فاجْمَعْ بينَ جرمي وعفوِكَ يا كريمُ!

يا كَبيرَ الذَّنْبِ عَفْوُ الـ … ــــــــــلهِ مِنْ ذَنْبِكَ أكْبَرْ

أكْبَرُ الأوْزارِ في جَنْـ … ــــــــــبِ عَفْوِ اللهِ يَصْغُرْ


(١) تقدّم هذا الكلام والتعقيب عليه (ص ٦١ - ٦٢).
(٢) يدلّ بعمله: يعجبه عمله، ويرى أنّه أهل للكرامة والاستجابة والولاية والتوفيق. وهذا كثير.
(٣) (موضوع). قطعة من حديث ابن عبّاس الطويل في نداء الحور العين أوّل رمضان، وقد تقدّم طرف منه مع تفصيل القول فيه (ص ٣٧٣).
ولهذه القطعة شاهد عند: العقيلي (٣/ ١٣٨)، وابن الجوزي في "الواهيات" (٨٧٩)؛ من طريق أبي معمر عبّاد بن عبد الصمد، عن أنس … رفعه. وأبو معمر متهم هالك، ومتابعته هالكة مثله.
(٤) في خ: "وإنّها صغرت في"، والأولى ما أثبتّه من م و ط.

<<  <   >  >>