للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

والحكمةَ، فبَعَثَ اللهُ فيهِم مُحَمَّدا - صلى الله عليه وسلم - مِن ولدِ إسْماعيلَ بهذهِ الصِّفةِ، فطَهَّرَ البيتَ وما حولَهُ مِن الشِّركِ، ورَدَّ الأمرَ إلى دينِ إبْراهيمَ الحنيفِ والتَّوحيدِ الذي لأجلِهِ بُنِيَ البيتُ، كما قالَ تَعالى: {وَإذْ بَوَّأْنا لإبْراهيمَ مَكانَ البَيْتِ أنْ لا تُشْرِكَ بي شَيْئًا وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفينَ وَالقائِمينَ وَالرُّكَعِ السُّجودِ} [الحجّ: ٢٦].

وأمَّا تسليطُ القَرامِطَةِ على البيتِ بعدَ ذلكَ، فإنَّما كانَ عقوبةً بسببِ ذنوبِ النَّاسِ، ولمْ يَصِلوا إلى هدمِهِ ونقضِهِ ومنعِ النَّاسِ مِن حجِّهِ وزيارتِهِ كما كانَ يَفْعَلُ أصحابُ الفيلِ لوْ قَدَروا على هدمِهِ وصرفِ النَّاسِ عن حجِّهِ. والقَرامِطَةُ أخَذوا الحجرَ والبابَ وقَتَلوا الحاجَّ وسَلَبوهُم أموالَهُم، ولمْ يَتَمَكَّنوا مِن منعِ النَّاس مِن حجِّهِ بالكلِّيَّةِ ولا قَدَروا على هدمِهِ بالكلِّيَّةِ كما كانَ أصحابُ الفيلِ يَقْصِدونَهُ، ثمَّ أذَلَّهُمُ اللهُ بعدَ ذلكَ وخَذَلَهُم وهَتَكَ أستارَهُم وكَشَفَ أسرارَهُم، والبيتُ المعظَّمُ باقٍ على حالِهِ مِن التَّعظيمِ والزِّيارةِ والحجِّ والاعتمارِ والصَّلاةِ إليهِ، لمْ يَبْطُلْ شيءٌ مِن ذلكَ عنهُ بحمدِ اللهِ ومنِّهِ، وغايةُ أمرِهِم أنَّهُم أخافوا حاجَّ العراقِ حتَّى انْقَطَعوا بعضَ السِّنينَ ثمَّ عادوا.

ولمْ يَزَلِ اللهُ تَعالى يَمْتَحِنُ عبادَهُ المؤمنينَ بما يَشاءُ مِن المحنِ، ولكنَّ دينَهُ قائمٌ محفوظٌ لا يَزالُ تَقومُ بهِ أُمَّةٌ مِن أُمَّةِ مُحَمَّدٍ - صلى الله عليه وسلم - لا يَضُرُّهُم مَن خَذَلَهُم حتَّى يَأْتِيَ أمرُ اللهِ وهُم على ذلكَ، كما قالَ تَعالى: {يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ (٣٢) هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ (٣٣)} [التوبة: ٣٢، ٣٣].

وقدْ أخْبَرَ النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - أن هذا البيتَ يُحَجُّ ويُعْتَمَرُ بعدَ خروجِ يَأْجوجَ ومأْجوجَ ولا يَزالُ كذلكَ حتَّى تُخَرِّبَهُ الحبشةُ ويُلْقوا حجارتَهُ في البحرِ، وذلكَ بعدَ أنْ يَبْعَثَ اللهُ ريحًا طيّبةً تَقْبِضُ أرواحَ المؤمنينَ كلِّهِم فلا يَبْقى في الأرضِ مؤمنٌ، ويُسْرى بالقرآنِ مِن الصُّدورِ والمصاحفِ فلا يَبْقى في الأرضِ قرآنٌ ولا إيمانٌ ولا شيءٌ مِن الخيرِ، فبعدَ ذلكَ تَقومُ السَّاعةُ، ولا تَقومُ إلَّا على شرارِ النَّاسِ (١).


(١) وهذه فقرات مجموعة من أحاديث جماعة من الصحابة أكثرها من مخرّجات الصحيحين.

<<  <   >  >>