للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

مِن قبلِ حفظِهِ. وقد حُكِيَ عن أهلِ المدينةِ أنَّهُم جَعَلوها مِن سنتينِ، وأنَّ أوَّلَها ذو القَعْدَةِ ثمَّ ذو الحِجَّةِ ثمَّ المحرَّمُ ثمَّ رجبٌ، فيَكونُ رجبٌ آخرَها. وعن بعضِ المدنيِّينَ أنَّ أوَّلَها رجبٌ ثمَّ ذو القعدةِ ثم ذو الحجَّةِ ثمَّ المحرَّمُ. وعن [بعضِ] أهلِ الكوفةِ أنَّها مِن سنةٍ واحدةٍ؛ أوَّلُها المحرَّمُ ثمَّ رجبٌ ثمَّ ذو القَعْدَةِ ثمَّ ذو الحِجَّةِ (١).

واخْتُلِفَ في أي هذهِ الأشهرِ الحرمِ أفضلُ: فقيلَ: رجبٌ. قالَهُ بعضُ الشَّافعيّةِ، وضَعَّفَهُ النَّوَوِيُّ وغيرُهُ. وقيلَ: المحرَّمُ. قالَهُ الحَسَنُ، ورَجَّحَهُ النَّوَوِيُّ. وقيلَ: ذو الحِجَّةِ. رُوِيَ عن سَعيدِ بن جُبَيْرٍ وغيرِهِ، وهوَ أظهرُ. واللهُ أعلمُ.

• وقولُهُ - صلى الله عليه وسلم -: "إنَّ الزَّمانَ قدِ اسْتَدارَ كهيئتِهِ يومَ خَلَقَ اللهُ السَّماواتِ والأرضَ، السَّنةُ اثنا عشرَ شهرًا"؛ مرادُهُ بذلكَ إبطالُ ما كانتِ الجاهليَّةُ تَفْعَلُهُ مِن النَّسيءِ، كما قالَ تَعالى: {إِنَّمَا النَّسِيءُ زِيَادَةٌ فِي الْكُفْرِ يُضَلُّ بِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا يُحِلُّونَهُ عَامًا وَيُحَرِّمُونَهُ عَامًا لِيُوَاطِئُوا عِدَّةَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ فَيُحِلُّوا مَا حَرَّمَ اللَّهُ} [التوبة: ٣٧].

وقدِ اخْتُلِفَ في تفسيرِ النَّسيءِ: فقالَتْ طائفةٌ: كانوا يُبْدِلونَ بعضَ الأشهرِ الحرمِ بغيرِها مِن الأشهرِ فيُحَرِّمونَها بدلَها ويُحِلُّونَ ما أرادوا تحليلَهُ مِن الأشهرِ الحرمِ إذا احْتاجوا إلى ذلكَ، ولكنْ لا يَزيدونَ في عددِ الأشهرِ الهلاليّةِ شيئًا. ثمَّ مِن أهلِ هذهِ المقالةِ مَن قالَ: كانوا يُحِلُّونَ المحرَّمَ فيَسْتَحِلُّونَ القتالَ فيه؛ لطولِ مدَّةِ التَّحريمِ عليهِم بتوالي ثلاثةِ أشهرٍ محرَّمةٍ، ثمَّ يُحَرِّمونَ صَفَرَ مكانَهُ، فكأنَّهُم تقْتَرِضونَهُ ثمَّ يُوَفُّونَهُ. ومنهُم مَن قالَ: كانوا يُحِلُونَ المحرَّمَ معَ صَفَرَ مِن عامٍ ويُسَمُّونَهُما صَفرينِ، ثمَّ يُحِرِّمونَهُما مِن عامٍ قابلٍ ويُسَمُّونَهُما محرَّمينِ، قالَهُ ابنُ زيدِ بن أسْلَمَ. وقيلَ: بل كانوا ربَّما احْتاجوا إلى صَفَرَ أيضًا فأحَلُّوهُ وجَعَلوا مكانَهُ ربيعًا، ثمَّ يَدورُ ذلكَ التَّحريمُ


= مختصرًا، وابن مردويه (التوبة ٣٦ - ابن كثير)؛ من طريق موسى بن عبيدة الربذي، ثني صدقة بن يسار (وقال ابن أبي حاتم وابن مردويه: عن عبد الله بن دينار)، عن ابن عمر … رفعه.
قال ابن رجب: "فيه موسى بن عبيدة، وفيه ضعف شديد من قبل حفظه". قلت: موسى ضعيف، ولا سيّما في عبد الله بن دينار، وقد تردّد في تابعيّ الحديث، وهذا، وإن كان تردّدًا بين ثقتين لا يضرّ، فإنه يدلّ على أنّه لم يضبط الحديث، وقد خالف الثقات الذين رووا هذا الحديث بغير هذا القيد، وهذا حدّ النكارة.
(١) وهذا نوع من الترف العلمي الذي لا طائل تحته ولا فائدة تجنى من ورائه.

<<  <   >  >>