للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

يومًا أو يومينِ، وحَكاهُ عن ابن عُمَرَ وابنِ عَبَّاسٍ. وقال الشَّافِعِيُّ في القديمِ: أكْرَهُ أنْ يَتَّخِذَ الرَّجلُ صومَ شهرٍ يُكْمِلُهُ كما يُكْمِلُ رمضانَ، واحْتَجَّ بحديثِ عائِشَةَ: ما رَأيْتُ رسول اللهِ - صلى الله عليه وسلم - اسْتكمَلَ شهرًا قطُّ إلَّا رمضانَ (١). قال: وكذلكَ يومًا مِن بين الأيَّامِ. قال: وإنَّما كَرِهْتُهُ أنْ لا يَتَأسَّى رجل جاهلٌ فيَظُنَّ أن ذلكَ واجبٌ، وإنْ فَعَلَ فحَسَنٌ.

وتَزول كراهةُ إفرادِ رجبٍ بالصَّومِ بأنْ يَصومَ [معَهُ] شهرًا آخرَ تطوُّعًا عندَ بعضِ أصحابِنا، مثلُ أن يَصومَ الأشهرَ الحرمَ، أو يَصومَ رجبَ وشعبانَ (٢). وقد تَقَدَّمَ عن ابن عُمَرَ وغيرِهِ صيامُ الأشهرِ الحرمِ. والمنصوصُ عن أحْمَدَ أنّهُ لا يَصومُهُ بتمامِهِ إلَّا مَن صامَ الدَّهرَ.

ورُوِيَ عن ابن عُمَرَ ما يَدُلُّ عليهِ؛ فإنَّهُ بَلَغَهُ أن قومًا أنْكَروا عليهِ أنَّهُ حَرَّمَ صومَ رجبٍ، فقال: كيفَ بمَن يَصومُ الدَّهرَ؟! وهذا يَدُلُّ على أنَّهُ لا يُصامُ رجب إلَّا معَ صومِ الدَّهرِ!

ورَوى: يوسُفُ بنُ عَطِيّةَ، عن هِشامِ بن حَسَّانَ، عن ابن سِيرينَ، عن عائِشَةَ؛ أن النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - لم يَصُمْ بعدَ رمضانَ إلَّا رجبًا وشعبانَ (٣). ويوسُفُ ضعيفٌ جدًّا.

ورَوى أبو يوسُفَ القاضي: عن ابن أبي لَيْلى، عن أخيهِ عيسى، عن عَبْدِ الرَّحمنِ بن أبي لَيْلى، عن عائِشَةَ؛ أن النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - كانَ يَصومُ مِن كلِّ شهرٍ ثلاثةَ أيامٍ، وربَّما أخَّرَ


(١) رواه: البخاري (٣٠ - الصوم، ٥٢ - صوم شعبان، ٤/ ٢١٣/ ١٩٦٩)، ومسلم (١٣ - الصيام، ٣٤ - صيامه - صلى الله عليه وسلم - في غير رمضان، ٢/ ٨٠٩ / ١١٥٦).
(٢) فيه نظر من وجهين: أوّلهما: أنّ من صام جمادى أو شعبان أو كليهما ليتوصّل بهما إلى صيام رجب؛ فلا يخلو فعله من مواطأة الجاهليّة أو أهل البدع في تعظيمهم المبالغ فيه لرجب، والأعمال بالنيّات، والله يعلم السرّ وأخفى. والثاني: أنه لا يشرع اختصاص جمادى ورجب أو رجب وشعبان أو جمادى ورجب وشعبان معًا بعبادة معيّنة بغير دليل شرعيّ كما أنّه لا يشرع اختصاص رجب وحده بعبادة معينة بغير دليل شرعيّ. ولا ينجو المرء من مثل هذه البدع والمخالفات إلَّا بأن يجعل نوافله مطلقة بغير توقيت بزمان أو مكان ما أنزل الله بهما من سلطان، وإنّما يجعل ذلك كلّه مقيّدًا بإقباله وهمّته ورغبته في الاستزادة من الخيرات.
(٣) (ضعيف جدًّا). رواه: الطبراني في "الأوسط" (٩٤١٨)، والبيهقي في "الشعب" (٣٨٠٣)؛ من طريق يوسف بن عطية الصفّار … به رفعه.
قال ابن رجب والهيثمي (٣/ ١٩٤): "فيه يوسف بن عطيّة، وهو ضعيف [جدًّا] ". قلت: متروك.

<<  <   >  >>