للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

إنْ كُنْتَ تَنوحُ يا حَمامَ البانِ … لِلْبَيْنِ فَأيْنَ شاهِدُ الأحْزانِ

أجْفانُكَ لِلدُّموعِ أمْ أجْفاني … لا يُقْبَلُ مُدَّعٍ بِلا بُرْهانِ

هذا عبادَ اللهِ شهرُ رمضانَ الذي أُنزِلَ فيهِ القرآنُ وفي بقيَّتِهِ للعابدينَ مستمتع، وهذا كتابُ اللهِ يُتْلى فيهِ بينَ أظهرِكُم (١) ويُسْمَع، وهوَ القرآنُ الذي لو أُنْزِلَ على جبلٍ لرَأيْتَهُ خاشعًا يَتَصَدَّع، ومعَ هذا فلا قلبٌ يَخْشَعُ ولا عين تَدمَعُ ولا صيامٌ يُصانُ عن الحرامِ فيَنْفَعُ ولا قيامٌ اسْتَقامَ فيُرْجى في صاحبِهِ أنْ يَشْفَع! قلوبٌ خَلَتْ مِن التَّقوى فهيَ خرابٌ بَلْقَع، وتَراكَمَتْ عليها ظلمةُ الذُّنوبِ فهيَ لا تُبْصِرُ ولا تَسْمَع.

كم تُتْلى علينا آياتُ القرآنِ وقلوبُنا كالحجارةِ أو أشدُّ قسوة! وكم يَتَوالى علينا شهرُ رمضانَ وحالُنا فيهِ كحالِ أهلِ الشِّقوة؛ لا الشَّابُّ منَّا يَنْتَهي عن الصَّبوةِ ولا الشَّيخُ يَنْزَجِرُ عن القبيحِ فيَلْتَحِقُ بالصَّفوة! أينَ نحنُ مِن قومٍ إذا سَمِعوا داعيَ اللهِ أجابوا الدَّعوة، وإذا تُلِيَتْ عليهِم آياتُ اللهِ جَلَتْ قلوبَهُم جَلْوَة، وإذا صاموا صامَتْ منهُمُ الألسنةُ والأسماعُ والأبصارُ؟ أفما لنا فيهِم أُسوة؟ كم بينَنا وبينَ حالِ أهلِ الصَّفا! أبعدُ ممَّا بينَنا وبينَ (٢) الصَّفا والمروة.

كلَّما حَسُنَتْ منَّا الأقوالُ ساءَتِ الأعمالُ! فلا حولَ ولا قوَّةَ إلَّا باللهِ العليِّ العظيمِ.

يا نَفْسُ فازَ الصَّالِحونَ بِالتُّقى … وَأبْصَروا الحَقَّ وَقَلْبي قَدْ عَمِي

يا حُسْنَهُمْ وَاللَيْلُ قَدْ جَنَّهُمُ … وَنورُهُمْ يَفوقُ نورَ الأنْجُمِ

تَرَنَّموا بِالذِّكْرِ في لَيْلِهِمُ … فَعَيْشُهُمْ قَدْ طابَ بِالتَّرَنُّمِ

قُلوبُهُمْ لِلذِّكْرِ قَدْ تَفَرَّغَتْ … دُموعُهُمْ كَلُؤْلُؤٍ مُنْتَظِم

أسْحارُهُمْ بِهِمْ لَهُمْ قدْ أشْرَقَتْ … وَخِلَعُ الغُفْرانِ خَيْرُ القِسَم

وَيْحَكِ يا نَفْسُ ألا تَيَقُّظٌ … يَنْفَعُ قَبْلَ أنْ تَزِلَّ قَدَمي

مَضى الزَّمانُ في تَوانٍ وَهَوًى … فَاسْتَدْرِكي ما قدْ بَقِي وَاغْتَنِمي


(١) في خ: "كتاب الله فيه يتلى بين أظهركم"، والأولى ما أثبتّه من م و ن و ط.
(٢) في خ و م: "ممّا هنا وبين"، والأولى ما أثبتّه من ط.

<<  <   >  >>