للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الذِّكرُ قوتُ قلوبِ (١) العارفينَ، يُغْنيهِم عن الطَّعامِ والشَّرابِ، كما قيلَ:

أنْتَ رِيِّي إذا ظَمِئْتُ إلى الما … ءِ وَقُوتي إذا أرَدْتُ الطَّعاما

لمَّا جاعَ المتهجِّدونَ، شَبِعوا مِن طعامِ المناجاةِ. فأُفٍّ لمَن باعَ لذَّةَ المناجاةِ بفضلِ لقمةٍ.

يا مَنْ لِحَشا المُحِبِّ بِالشَّوْقِ حَشا … ذا سِرُّ سُراكَ في الدُّجى كَيْفَ فَشا

هذا المُوَلَّى إلى المَماليكِ مَشى … لا كانَ عَيْشًا أوْرَثَ القَلْبَ غِشا (٢)

ويَتأكَّدُ تأْخيرُ الفطرِ في الليالي التي تُرْجى فيها ليلةُ القدرِ (٣).

قالَ زِرُّ بنُ حُبَيْشٍ في ليلةِ سبعٍ وعشرينَ: مَنِ اسْتَطاعَ منكُم أن يُؤخِّرَ فطرَهُ؛ فلْيَفْعَلْ، ولْيُفْطِرْ على ضَياحِ لبنٍ. ورَواهُ بعضُهُم عن زِرٍّ عن أُبَيِّ بن كَعْبٍ مرفوعًا، ولا يَصِحُّ (٤). وضِياحُ اللبنِ ويُرْوى ضَيْحُ - بالضَّادِ المعجمةِ والياءِ آخرِ الحروفِ - هوَ اللبنُ الخاثرُ الممزوجُ بالماءِ.

ورَوَى أبو الشَّيخِ الأصْبَهانِيُّ بإسنادِهِ: عن عَلِيٍّ؛ قالَ: إنْ وافَقَ ليلةَ القدرِ وهوَ يَأْكُلُ؛ أوْرَثَهُ داءً لا يُفارِقُهُ حتَّى يَموتَ (٥). وخَرَّجَهُ مِنْ طريقِهِ أبو موسى المَدِينِيُّ. وكأنَّهُ يُريدُ: إذا وافَقَ دخولُها أكلَهُ. واللهُ أعلمُ.

• ومنها: اغتسالُهُ - صلى الله عليه وسلم - بينَ العشاءينِ

وقد تَقَدَّمَ مِن حديثِ عائِشَةَ: "واغْتَسَلَ بينَ الأذانينِ" (٦). والمرادُ: أذانُ المغربِ


(١) في خ: "الذكر قرّة قلوب"، والأولى ما أثبتّه من م و ن و ط.
(٢) يعني: غشاء، والبيتان غير موزونين، أقرب إلى الكلام المنثور.
(٣) إذا كان النبي - صلى الله عليه وسلم - قد: نهى عن الوصال، وحذّر أصحابه من فعله، وأراد أن ينكّل بمن لم يستجب إليه حتّى يدعه، ووصف من فعله بالمتعمّق، وبيّن للناس أنّ مواصلته ليست كمواصلتهم وأنّه يبيت يطعمه ربّه ويسقيه، ثمّ لمّا رأى إلحاح بعض الناس على ذلك أذن لهم بالمواصلة إلى الفجر لا أكثر؛ فكيف يقال: هذه المواصلة مستحبّة؟! أو: هي متأكدة في الوقت الفلانيّ؟! هذه المواصلة قصاراها أن تكون من المباح! وذهب جماعة من أهل العلم إلى كراهتها مطلقًا، وما هو ببعيد عن الصواب. والله أعلم.
(٤) أثر زرّ هذا رواه: عبد الرزّاق (٧٧٠١)، وابن أبي شيبة (٨٦٦٧). ولم أقف عليه مرفوعًا، وما هو بصحيح، بل هو ظاهر النكارة سندًا على ما ذكر ابن رجب ومتنًا على ما تقدّم آنفًا من النهي عن الوصال.
(٥) كذا! مع أن عليًا - رضي الله عنه - ممّن نهى عن الوصال مطلقًا.
(٦) (منكر). تقدّم تفصيل القول فيه (ص ٤٣١).

<<  <   >  >>