للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أفضلُ مِن فروضِ الكفاياتِ عندَ جمهورِ العلماءِ. وقد رُوِيَ هذا في الحجِّ والجهادِ بخصوصِهِما عن عَبْدِ اللهِ بنِ عَمْرِو بنِ العاصِ، ورُوِيَ مرفوعًا مِن وجوهٍ متعدِّدةٍ في أسانيدِها لينٌ (١). وقد دَلَّ على ذلكَ ما حَكاهُ النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - عن ربِّهِ عَزَّ وجَلَّ؛ أنَّهُ قالَ: "ما تَقَرَّبَ إليَّ عبدي بمثلِ أداءِ ما افْتَرَضْتُ عليهِ" (٢).

وإنْ كانَ الحاجُّ ليسَ مِن أهلِ الجهادِ؛ فحجُّهُ أفضلُ مِن جهادِهِ، كالمرأةِ. وفي "صحيح البُخارِيِّ" (٣): عن عائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عنها؛ أنَّها قالَتْ: يا رسولَ اللهِ! نَرى الجهادَ أفضلَ العملِ، أفلا نُجاهِدُ؛ فقالَ: "لكن أفضلُ الجهادِ حجٌّ مبرورٌ". وفي روايةٍ لهُ (٤): "جهادُكنَّ الحجُّ". وفي روايةٍ لهُ أيضًا (٥): "نِعْمَ الجهادُ الحجُّ".

وكذلكَ إذا اسْتَغْرَقَ العشرَ كلَّهُ عملُ الحجِّ، وأُتِيَ بهِ على أكملِ وجوهِ البرِّ مِن أداءِ الواجباتِ واجتنابِ المحرَّماتِ، وانْضَمَّ إلى ذلكَ الإحسانُ إلى النَّاسِ ببذلِ السَّلامِ وإطعامِ الطَّعامِ، وضُمَّ إليهِ كثرةُ ذكرِ اللهِ عَزَّ وجَلَّ والعجُّ والثَّجُّ - وهوَ رفعُ الصَّوتِ بالتَّلبيةِ وسوقُ الهديِ -؛ فإنَّ هذا الحجِّ على هذا الوجهِ قد يَفْضُلُ على الجهادِ. وإنْ وَقَعَ عملُ الحجِّ في جزءٍ يَسيرٍ مِن العشرِ، ولم يُؤْتَ بهِ على الوجهِ المبرورِ؛ فالجهادُ أفضلُ منهُ.

وقد رُوِيَ عن عُمَرَ [وابنِ عُمَرَ] وأبي موسى الأشْعَرِيِّ ومُجاهِدٍ ما يَدُلُّ على تفضيلِ الحجِّ على الجهادِ وسائرِ الأعمالِ. ويَنْبَغي حملُهُ على الحجِّ المبرورِ الذي كَمَلَ برُّهُ واسْتَوْعَبَ فعلُهُ أيَّامَ العشرِ، واللهُ أعلمُ.

• فإنْ قيلَ: قولُهُ - صلى الله عليه وسلم - "ما مِن أيَّامٍ العملُ الصَّالحُ فيها أحبُّ إلى اللهِ مِن هذهِ الأيَّامِ" هل يَقْتَضي تفضيلَ كلِّ عملٍ صالحٍ وَقَعَ في شيءٍ مِن أيَّامِ العشرِ على جميعِ ما يَقَعُ في غيرِها وإنْ طالَتْ مدَّتُهُ أم لا؟


(١) انظر ما تقدّم قبل حاشية.
(٢) رواه البخاري (٨١ - الرقاق، ٣٨ - التواضع، ١١/ ٣٤٠/ ٦٥٠٢) من حديث أبي هريرة.
(٣) (٢٥ - الحجّ، ٤ - فضل الحجّ المبرور، ٣/ ٣٨١/ ١٥٢٠).
(٤) (٥٦ - الجهاد، ٦٢ - جهاد النساء، ٦/ ٧٥/ ٢٨٧٥).
(٥) (الموضع السابق، ٢٨٧٦).

<<  <   >  >>