للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الحجَّةِ". فقالَ رجلٌ: يا رسولَ اللهِ! هوَ أفضلُ أم عدَّتُهُنَّ جهادًا في سبيلِ اللهِ؟ قالَ: "هوَ أفضلُ مِن عدَّتِهنَّ جهادًا في سبيلِ اللهِ" (١). فلم يُفَضِّلِ العملَ في العشرِ إلَّا على الجهادِ في عدَّةِ أيَّامِ العشرِ لا مطلقًا.

وأمَّا ما تَقَدَّمَ مِن أنَّ كلَّ يومٍ منهُ يَعْدِلُ سنةً أو شهرينِ أو ألفَ يومٍ؛ فكلُّها مِن أحاديثِ الفضائلِ ليستْ بقويَّةٍ.

ثمَّ [إنَّ] أكثرَ ما وَرَدَ ذلكَ في صيامِها، والصِّيامُ لهُ خصوصيَّةٌ في المضاعفةِ؛ فإنَّهُ للهِ، واللهُ يَجْزي بهِ.

فإنْ قيلَ: إنَّهُ لا يَخْتَصُّ بالصَّومِ، بل يَعُمُّ سائرَ الأعمالِ. فإنَّما يَدُلُّ على تفضيلِ كلِّ عملٍ في العشرِ على مثلِ ذلكَ في غيرِهِ سنةً، فلا يَدْخُلُ فيهِ إلَّا تفضيلُ مَن جاهَدَ في العشرِ على مَن جاهَدَ في غيرِهِ سنةً (٢).

وإذا قيلَ: يَلْزَمُ مِن تفضيلِ العملِ في هذا العشرِ على كلِّ عشرٍ غيرِهِ أنْ يَكونَ صيامُ هذا العشرِ أفضلَ مِن صومِ عشرِ رمضانَ وقيامُ لياليهِ أفضلَ مِن قيامِ لياليهِ. قيلَ: أمَّا صيامُ رمضانَ؛ فأفضلُ مِن صيامِهِ بلا شكٍّ؛ فإنَّ صومَ الفرضِ أفضلُ مِن النَّفلِ بلا تردُّدٍ، وحينئذٍ فيَكونُ المرادُ أنَّ ما فُعِلَ في العشرِ مِن فرضٍ فهوَ أفضلُ ممَّا فُعِلَ في عشرٍ غيرِهِ مِن فرضٍ، فقد تُضاعَفُ صلواتُهُ المكتوبةُ على صلواتِ عشرِ رمضانَ، وما فُعِلَ فيهِ مِن


(١) (ضعيف بهذا التمام). رواه: البزّار (١١٢٨ - كشف)، وأبو يعلى (٢٠٩٠)، وأبو عوانة (٢/ ٤٥٩ - فتح)، وابن حبّان (٣٨٥٣)، والإسماعيلي في "الشيوخ" (١/ ٣٢٧)، وأبو موسى المديني (٤٦٦ - لطائف)؛ من طرق، عن أبي الزبير، عن جابر … رفعه.
قال المنذري: "البزّار بإسناد حسن وأبو يعلى بإسناد صحيح". وقال الهيثمي في "المجمع" (٣/ ٢٥٦): "فيه محمّد بن مروان العقيلي وثّقه ابن معين وابن حبّان وفيه بعض كلام". قلت: توبع من وجهين، فإعلاله به غير متوجّه. وقال الهيثمي مرّة (٤/ ٢٠): "إسناده حسن رجاله ثقات". قلت: أمّا أنّهم ثقات؛ فنعم، وأمّا أنّه حسن؛ فلا؛ فإنّ فيه عنعنة أبي الزبير على كثرة تدليسه عن جابر رضي الله عنه. فهذه علّة هذا الحديث القادحة. وهاهنا علّة أُخرى أشار إليها ابن رجب (ص ٥٩١) بقوله: "وروي مرسلًا وقيل إنّه أصحّ". قلت: لم أقف عليه مرسلًا. وقوّاه الألباني بشواهده، وهو كذلك بلا ريب. لكنّ فيه زيادات لم ترد في شواهده: منها ذكر "عدّتهنّ"، ومنها تسوية لياليهنّ بأيّامهنّ، ومنها زيادة "إلّا من عفّر وجهه بالتراب"، ومنها زيادة "وما من يوم أفضل من يوم عرفة". فالشواهد قاصرة عن تقوية هذه الزيادات الأربع. والله أعلم.
(٢) أوليس ضعف الحديث مغنيًا عن تكلّف التوجيهات له؟!

<<  <   >  >>