وأمّا حديث وابصة؛ فوقفت له على ثلاثة وجوه: روى أوّلها: الطبراني (٢٢/ ١٤٧/ ٤٠١) من طريق طلحة بن زيد، عن راشد بن أبي راشد، عن وابصة … رفعه. قال الهيثمي (١/ ١٤٤): "طلحة بن زيد اتّهم بوضع الحديث". وروى الثاني: ابن أبي عاصم في "الآحاد" (١٠٥٢)، والبزّار (١٤٥ - كشف)، وأبو يعلى (١٥٨٩)، والطبراني في "الأوسط" (٤١٦٨)، وابن عساكر (٢٠/ ٨٣)؛ من طريقين ضعيفتين، عن جعفر بن برقان، عن شدّاد مولى عياض، عن وابصة … رفعه. قال الهيثمي (٣/ ٢٧٣): "رجاله موثّقون"، وأقرّه العسقلاني، قلت: شدّاد لا يعرف. وروى الثالث: ابن أبي عاصم في "الآحاد" (١٠٥٣)، وأبو يعلى (١٥٩٠)، وابن عساكر (٢٠/ ٨٣ و ٨٤)؛ من ثلاث طرق إحداها قويّة، عن جعفر بن برقان، ثني سالم بن وابصة، عن أبيه … رفعه. وهذا سند حسن. وختامًا؛ فإمّا أنّ لجعفر في هذا الحديث شيخين، وهو الظاهر الراجح، فيتقوّى وجهه الثالث بالثاني ويصحّ. وإمّا أنّ الرواة أختلفوا عليه، فيسقط الثاني ويسلم الثالث لقوّة موارده، ويكون الحديث صحيحًا لشواهده. وأمّا حديث نبيط؛ فرواه: ابن سعد (٢/ ١٨٤، ٦/ ٢٩)، وأحمد (٤/ ٣٠٥)، والفاكهي (١٨٩٤)، وابن أبي عاصم في "الآحاد" (١٢٩٨)، والنسائي في "الكبرى" (٤٠٩٧)، والبغوي (٢/ ١٤٨ - إصابة)، وابن السكن (٢/ ١٤٨ - إصابة)، وابن قانع في "المعجم" (١/ ٣٤٦/ ٤٣٤، ٣/ ١٦٩/ ١١٤٤)، وابن حزم في "حجّة الوداع" (١٥٠)، والبيهقي (٣/ ٢١٥)، والضياء (٧/ ٢٤٠/ ٢٦٨٤)، والذهبي في "النبلاء" (١٢/ ١٥١)؛ من طرق، عن أبي مالك الأشجعي، عن نبيط بن شريط … رفعه. وهذا سند صحيح، لولا أنّهم اختلفوا: فقال بعضهم "عن نبيط عن النبيّ - صلى الله عليه وسلم -"، وقال بعضهم "عن نبيط عن أبيه شريط بن أنس عن النبيّ"، ولا يضرّ، فكلاهما سمعه من النبيّ - صلى الله عليه وسلم -، نصّت بعض الروايات على ذلك. وفي الباب عن جماعة ينظر لهم: "جامع الأُصول" (١/ ٢٥٨/ ٥٢)، و"مجمع الزوائد" (٣/ ٢٦٨). (١) كون ذي الحجّة أشدّ الأشهر حرمة لا يقتضي أنّه أفضلها بالضرورة. ألا ترى أنّه ليس أفضل من رمضان مع أنّ رمضان ليس من الأشهر الحرم؟ ألا ترى أنّ الحسن مال إلى تفضيل المحرّم عليه؟ (٢) هذا يدلّ على أنّ ابن رجب يرحمه الله لم يصنّف كتابه على ترتيب الأشهر ابتداء من المحرّم.