فدَفنَها. ويُقالُ: إنَّهُ نَبَشَها بعدَ دفنِها. ويُروى أنَّهُ دَخَلَ بعدَ موتِها إلى خزائنِها ومقاصيرِها ومعَهُ جاريةٌ لها، فتَمَثَّلَتِ الجاريةُ:
كَفى حَزَنًا بالوالِهِ الصَّبِّ أنْ يَرى … مَنازِلَ مَنْ يَهْوى مُعَطَّلَة قَفْرا
فصاحَ وخَرَّ مغشيًّا عليهِ، فلم يُفِقْ إلى أنْ مَضى هَوِيٌّ مِن الليلِ، ثمَّ أفاقَ فبَكَى بقيَّةَ ليلتِهِ ومِن الغدِ، فدَخَلوا عليهِ فوَجَدوهُ ميتًا.
قالَ بعضُ السَّلفِ: ما مِن حَبْرَةٍ إلَّا يَتْبَعُها عبرةٌ، وما كانَ ضحكٌ في الدُنيا إلَّا كانَ بعدَهُ بكاءٌ.
مَن عَرَفَ الدُّنيا حقَّ معرفتِها؛ حَقَرَها وأبْغَضَها، كما قيلَ:
أمَّا لَوْ بِيعَتِ الدُّنْيا بِفَلْسٍ … أنِفْتُ لِعاقِلٍ أنْ يَشْتَرِيها،
ومَن عَرَفَ الآخرةَ وعظمتَها رَغِبَ فيها.
عبادَ اللهِ! هَلُمُّوا إلى دارٍ لا يَموتُ سكَانُها، ولا يَخْرَبُ بنيانُها، ولا يَهْرَمُ شبَّانُها، ولا يَتَغَيَّرُ حسنُها وإحسانُها، هواؤُها النَّسيمُ وماؤُها التَّسنيمُ، يَتَقَلَّبُ أهلُها في رحمةِ أرحمِ الرَّاحمين، ويَتَمَتَعونَ بالنَّظرِ إلى وجهِهِ الكريمِ كلَّ حين، {دَعْوَاهُمْ فِيهَا سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَتَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلَامٌ وَآخِرُ دَعْوَاهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [يونس: ١٠].
قالَ عَوْنُ بنُ عَبْدِ اللهِ بن عُتْبَةَ: بَنى ملكٌ ممَّن كانَ قبلَكُم مدينةً، فتَنَوَّقَ في بنيانِها، ثمَّ صَنَعَ طعامًا ودَعا النَّاسَ إليهِ وأقْعَدَ على أبوابِها ناسًا يَسْألونَ كلَّ مَن خَرَجَ: هلْ رَأيْتُمْ عيبًا؟ فيَقولونَ: لا. حتَّى جاءَ في آخرِ النَّاسِ قومٌ عليهِم أكسيةٌ، فسَألُوهُم: هلْ رَأيْتُمْ عيبًا؟ قالوا: عيبينِ. فأدخَلوهُمْ على الملكِ، فقالَ: هلْ رَأيْتُمْ عيبًا؟ فقالوا: عيبينِ. قالَ: وما هُما؟ قالوا: تَخْرَبُ ويَموتُ صاحبُها. قالَ: فتَعْلَمونَ دارًا لا تَخْرَبُ ولا يَموتُ صاحبُها؟ قالوا: نعم؛ دارُ الجنَّةِ. فدَعَوْهُ فاسْتَجابَ لهُم وانْخَلَعَ مِن ملكِهِ وتَعَبَّدَ معَهُم. فحَدثَ عَوْنٌ بهذا الحديثِ عُمَرَ بنَ عَبْدِ العَزيزِ، فوَقَعَ منهُ موقعًا، حتَّى هَمَ أنْ يَخْلَعَ نفسَهُ مِن الملكِ. فأتاهُ ابنُ عمِّهِ مَسْلَمَةُ، فقالَ: اتَّقِ الله يا أميرَ المؤمنينَ في أُمَّةِ مُحَمَّدٍ، فواللهِ؛ لئنْ فَعَلْتَ لَيَقْتَتِلُنَّ بأسيافِهِم. قالَ: ويحكَ يا مَسْلَمَةُ! حُمِّلْتُ ما لا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute