للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم -، فقالَ: يا رسولَ اللهِ! أخْبِرْني بشهرٍ أصومُهُ بعدَ شهرِ رمضانَ. فقالَ رسولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "إنْ كُنْتَ صائمًا شهرًا بعدَ رمضانَ، فصُمِ المُحَرَّمَ؛ فإنَّهُ شهرُ اللهِ، وفيهِ يومٌ تابَ اللهُ فيهِ على قومٍ ويَتوبُ على آخرينَ" (١). وفي إسنادِهِ مقالٌ.

ولكنْ يُقالُ: إنَّ النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - كانَ يَصومُ شهرَ شَعْبانَ، ولم يُنْقَلْ [عنهُ] أنَّهُ كانَ يَصومُ المُحَرَّمَ، إنَّما كانَ يَصومُ عاشوراءَ، وقولُهُ في آخرِ سنةٍ "لئنْ عِشْتُ إلى قابلٍ لأصومَنَّ التَّاسعَ" يَدُلُّ على أنَّهُ كانَ لا يَصومُ التَّاسعَ قبلَ ذلكَ.

وقد أجابَ النَّاسُ عن هذا السُّؤالِ بأجوبةٍ فيها ضعفٌ. والذي ظَهَرَ لي - واللهُ أعلمُ - أن التَّطوُّعَ بالصِّيامِ نوعانِ:

أحدُهُما: التَّطوُّعُ المطلقُ بالصَّومِ، فهذا أفضلُهُ المُحَرَّمُ، كما أن أفضلَ التَّطوُّعِ المطلقِ بالصَّلاةِ قيامُ الليلِ.

والثَّاني: ما صيامُهُ تبعٌ لصيامِ رمضانَ قبلَهُ وبعدَهُ، فهذا ليسَ مِن التَّطوُّعِ المطلَقِ، بل صيامُهُ تَبَعٌ لصيامِ رمضانَ، وهوَ ملتحقٌ بصيامِ رمضانَ. ولهذا قيلَ: إنَّ صيامَ ستَّةِ أيَّامٍ مِن شهرِ شوَّالٍ يَلْتَحِقُ بصيامِ رمضانَ ويُكْتَبُ بذلكَ لمَن صامَها معَ رمضانَ صيامُ الدَّهرِ فَرَضًا. وقد رُوِيَ أن أُسامَةَ بنَ زَيْدٍ كانَ يَصومُ الأشهرَ الحرمَ، فأمَرَهُ النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - بصيامِ شوَّالٍ، فتَرَكَ الأشهرَ الحرمَ وصامَ شوَّالًا. وسَنَذْكُرُ ذلك في موضعِهِ إنْ شاءَ اللهُ تَعالى (٢). فهذا النَّوعُ مِن الصِّيامِ يَلْتَحِقُ برمضانَ، وصيامُهُ أفضلُ التَّطوُّعِ مطلقًا.

فامَّا التَّطوُّعُ المطلقُ؛ فأفضلُهُ صيامُ الأشهرِ الحرمِ، وقد رُوِيَ عن النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - أنَّهُ أمَرَ


(١) (ضعيف). رواه: ابن أبي شيبة (٩٢٢٣)، وأحمد (١/ ١٥٤)، والدارمي (٢/ ٢١)، والترمذي (٦ - الصوم، ٤٠ - صوم المحرم، ٣/ ١١٧/ ٧٤١)، وعبد الله بن أحمد في "زوائد المسند" (١/ ١٥٥)، والبزّار (٦٩٩)، وأبو يعلى (٢٦٧ و ٤٢٦ و ٤٢٧)، وابن عديّ في "الكامل" (٤/ ١٦١٤)، والبيهقي في "الشعب" (٣٧٧٥) و"الفضائل" (٢٧٧)، والأصبهاني في "الترغيب" (١٨٥٢)؛ من طرق، عن عبد الرحمن بن إسحاق أبي شيبة الواسطي، عن النعمان بن سعد، عن علي … رفعه.
قال الترمذي: "حسن غريب". وقال المنذري: "من رواية عبد الرحمن بن إسحاق عن النعمان بن سعد عن علي". وهذا منه تعليل للحديث. وقال ابن رجب: "في إسناده مقال". وضعّفه الألباني. قلت: عبد الرحمن ضعيف منكر الحديث عن النعمان، والنعمان مجهول، فالسند أقرب إلى الضعف الشديد.
(٢) انظر تفصيل القول في صومه - صلى الله عليه وسلم - في شعبان (ص ٢٩٣) وفي حديث أسامة (ص ٤٩١ - ٤٩٢).

<<  <   >  >>