كالترهُّب، أو الزيادة في المشروع كالصيام أبدًا، وقيام الليل كله هو اتهام للرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ أنه لم يكن في القمة من معرفة الله ـ تبارك وتعالى ـ والقيام بحقه. ولذلك قال أولئك النفر: وأين نحن من رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ؟ إنه قد غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، يعنون أن الله قد غفر ذنوبه، فليس بمحتاج إلى اجتهاد في العبادة، ومعنى هذا أن الرسول قد ترك شيئًا من وسعه في العبادة استنادًا إلى هذه المغفرة، والحظوة عند الله ـ تبارك وتعالى ـ وهذا من الاعتقادات التي لا تليق في حق الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ الذي ما ترك وسعًا في عبادة الله وطاعته، وكان ـ صلى الله عليه وسلم ـ في القمة دائمًا، وفي المقدمة دائمًا كما أمره بذلك ربنا سبحانه وتعالى حيث قال:{قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين لا شريك له وبذلك أمرت وأنا أول المسلمين}[الأنعام: ١٦٢و١٦٣] ، فهو ـ صلى الله عليه وسلم ـ أول المسلمين في كل شيء، فلا يجوز لمسلم أن يظن فيه غير ذلك، والزيادة علي ما شرعه إنما هي اتهام له ـ صلى الله عليه وسلم ـ ولذلك قال:(إن أعلمكم بالله، وأتقاكم لله أنا) ثم فاصل بين من أراد طريقه بالالتزام، ومن لم يلتزم قال له (فمن رغب عن سنتي فليس مني) .
١٦ ـ ولم يكتف الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ ببيان كل ذلك، بل أعلن في كل خطبة من خطبه للناس:(وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار)(هاتان الجملتان جزء من خطبة الحاجة التي كان رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ يبدأ بها خطبه، والجملة الأولى عند مسلم والبيهقي، وهي الجملة الثانية عند النسائي، وإسناده صحيح، وانظر رسالة (خطبة الحاجة) لأستاذنا الألباني فقد جمع فيها طرقها ورواياتها) ، وقال أيضًا:(من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد)(رواه البخاري ومسلم) فكل عمل محدث يراد له التقرب إلى الله ـ عز وجل ـ فهو مردود على صاحبه، والتعبد هو بالمشروع فقط.
١٧ ـ ولقد أصل الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ بعد ذلك أصلًا خطيرًا، وهو تعمد مخالفة أهل الكتاب والأمم الأخرى، وذلك حتى تتحقق ميزة الأمة بالمنهج المستقل والأفعال المستقلة، وحتى لا تختلط أفعال الأمة وعباداتها بأفعال الأمم الأخرى