قضية منطقية سليمة، فهؤلاء إما أن يكونوا أهدى من الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ لأنهم قد وفقوا لعمل لم يصل إليه علم رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ وإما أن يكونوا في ضلالة، والفرض الأول منتف حتمًا، لأنه لا أحد أفضل من رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ فلم يبق إلا الفرض الآخر، وهو أنهم قد اقتحموا باب ضلالة، فقالوا: والله يا أبا عبد الرحمن ما أردنا إلا الخير، وهذا دليل منهم على صلاح نياتهم، وإرادتهم وجه الله ـ تبارك وتعالى ـ بهذا العمل المبتدع. ولكن عبد الله بن مسعود قال لهم:" وكم من مريد للخير لم يبلغه "! ! وهذا معناه أن النية وحدها لا تكفي لتصحيح الفعل، بل لا بد أن ينضاف إلى ذلك التقيد بالمشروع.
٢٠ ـ وبالغ الصحابة ـ رضوان الله عليهم ـ في حماية جناب الدين وجانبه أن يدخل فيه الغريب، وما ليس منه حتى يصفو للناس التأدب بالأدب الخالص، والتخلق بالخلق الكامل من كتاب الله وسنة رسوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ فطرد علي بن أبي طالب رضي الله عنه القصاصين من المساجد، وهم الوعاظ الذين يعظون الناس، ويزعمون ترقيق قلوبهم بالقصص الخيالي، والحكايات والأساطير، وأنكر ابن عمر على رجل عطس، فقال: الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله قائلًا له: " ما هكذا علمنا رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ بل قال إذا عطس أحدكم فليحمد الله ولم يقل: وليصل على رسوله "! ! (رواه بنحوه الترمذي (٨/٩ تحفة) وفيه ضعف، ورواه أيضًا الطبراني والبزار فينظر اسناده فيهما، فلعله يقوى به) .
الحقائق. . والموازين:
وبمجموع هذه الأدلة يتضح لنا الحقائق التالية لفهم قضية الكتاب والسنة
أولًا: الهدى هو ما كان من الله سبحانه وتعالى ورسوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ فقط {قل إن هدى الله هو الهدى}[البقرة: ١٢٠]{فماذا بعد الحق إلا الضلال}[يونس: ٣٢] .