للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الميتة (١) لينقلها إلى الصحراء؛ لئلا يتأذى بنتن ريحها، فإنه يجوز الإجارة على ذلك؛ لأنه عمل مباح، لكن إن كانت الأجرة جلد الميتة لم تصح، واستحق أجرة المثل، وإن كان قد سلخ الجلد وأخذه رده على صاحبه، وهذا مذهب مالك، وأظنه مذهب الشافعي أيضا. ومذهب أبي حنيفة كالرواية الأولى، ومأخذه في ذلك: أن الحمل إذا كان مطلقا لم يكن المستحق عين (٢) حمل الخمر، وأيضا فإن مجرد حملها ليس معصية؛ لجواز أن تحمل لتراق، أو تخلل عنده، ولهذا إذا كان الحمل للشرب لم يصح، ومع هذا فإنه يكره الحمل.

والأشبه -والله أعلم- طريقة ابن أبي موسى، فإنها أقرب إلى مقصود أحمد، وأقرب إلى القياس، وذلك لأن النبي صلى الله عليه وسلم لعن عاصر الخمر ومعتصرها وحاملها والمحمولة إليه، فالعاصر والحامل قد عاوضا على منفعة تستحق عوضا، وهي ليست محرمة في نفسها، وإنما حرمت لقصد المعتصر، والمستحمل فهو كما لو باع عنبا أو عصيرا لمن يتخذه خمرا، وفات العصير والخمر في يد المشتري، فإن مال البائع لا يذهب مجانا، بل يقضي له بعوضه، كذلك هاهنا المنفعة التي وفاها المؤجر لا تذهب مجانا، بل يعطى بدلها، فإن تحريم الانتفاع بها إنما كان من جهة المستأجر لا من جهته.

ثم نحن نحرم الأجرة عليه، لحق الله سبحانه لا لحق المستأجر، والمشتري بخلاف من استأجر للزنا أو التلوط أو القتل أو الغصب أو السرقة، فإن نفس هذا العمل محرم لا (٣) لأجل قصد المشتري، فهو كما لو باعه ميتة أو خمرا، فإنه لا يقضي له (٤) بثمنها؛ لأن نفس هذه العين محرمة.


(١) في المطبوعة: ليدفنها أو لينقلها.
(٢) في المطبوعة: غير.
(٣) لا: سقطت من (ط) .
(٤) له: سقطت من (أ) .

<<  <  ج: ص:  >  >>