للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وفي قوله: {وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ} [المائدة: ٣] قولان:

أحدهما: أن نفس الذبح كان يكون عليها، كما ذكرناه، فيكون ذبحهم عليها تقربا إلى الأصنام، وهذا على قول من يجعلها غير الأصنام، فيكون الذبح عليها لأجل أن المذبوح عليها مذبوح للأصنام، أو مذبوح لها، وذلك يقتضي تحريم كل ما ذبح لغير الله، ولأن الذبح في البقعة لا تأثير له إلا من جهة الذبح لغير الله، كما كرهه النبي صلى الله عليه وسلم من الذبح في مواضع أصنام المشركين، وموضع أعيادهم، وإنما يكره المذبوح في البقعة المعينة؛ لكونها محل شرك، فإذا وقع الذبح حقيقة لغير الله؛ كانت حقيقة التحريم قد وجدت فيه.

والقول الثاني: أن الذبح على النصب، أي: لأجل النصب، كما قيل: أولم (١) على زينب بخبز ولحم (٢) وأطعم فلان على ولده، وذبح فلان على ولده، ونحو ذلك، ومنه قوله تعالى: {وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ} [البقرة: ١٨٥] (٣) وهذا ظاهر على قول من يجعل النصب نفس الأصنام، ولا منافاة بين كون الذبح لها، وبين كونها كانت تلوث بالدم، وعلى هذا القول فالدلالة ظاهرة.

واختلاف هذين القولين في قوله تعالى {عَلَى النُّصُبِ} [المائدة: ٣] (٤) نظير


(١) في المطبوعة: كما قيل: أولم رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلَّم على زينب. لكنه خلاف جميع النسخ المخطوطة.
(٢) ورد في الحديث الصحيح أن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلَّم أولم حين تزوج زينب بنت جحش بخبز ولحم، جاء ذلك في حديث أخرجه البخاري في كتاب التفسير، الحديث رقم (٤٧٩٣) من فتح الباري (٨ / ٥٢٧) ، وأخرجه مسلم في كتاب النكاح، باب زواج زينب، الحديث رقم (١٤٢٨) ، (٢ / ١٠٤٨) .
(٣) سورة البقرة: من الآية ١٨٥.
(٤) في (ط) : على الأنصاب. وهو خطأ.
انظر: أقوال بعض السلف في ذلك في: تفسير ابن جرير، (٦ / ٤٨، ٤٩) .

<<  <  ج: ص:  >  >>