للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بدعة، واعتذر من أحدثه بأن الناس قد صاروا ينفضون قبل سماع الخطبة، وكانوا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم لا ينفضون حتى يسمعوا، أو أكثرهم.

فيقال له: سبب هذا تفريطك، فإن النبي صلى الله عليه وسلم كان يخطبهم خطبة يقصد بها نفعهم وتبليغهم وهدايتهم، وأنت قصدك إقامة رياستك، أو إن قصدت صلاح دينهم، فلا (١) تعلمهم ما ينفعهم، فهذه المعصية منك لا تبيح لك إحداث معصية أخرى، بل الطريق في (٢) ذلك أن تتوب إلى الله، وتتبع سنة نبيه، وقد استقام الأمر، وإن لم يستقم فلا يسألك الله إلا عن عملك، لا عن عملهم.

وهذان المعنيان من فهمهما انحل عنه كثير من شبه البدع الحادثة، فإنه قد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «ما أحدث قوم بدعة إلا نزع الله عنهم من السنة مثلها» (٣) وقد أشرت إلى هذا المعنى فيما تقدم، وبينت أن الشرائع أغذية القلوب، فمتى اغتذت القلوب بالبدع لم يبق فيها فضل (٤) للسنن، فتكون بمنزلة من اغتذى بالطعام الخبيث.

وعامة الأمراء إنما أحدثوا أنواعا من السياسات الجائرة من أخذ أموال لا يجوز أخذها، وعقوبات على الجرائم لا تجوز؛ لأنهم فرطوا في المشروع من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وإلا فلو قبضوا ما يسوغ قبضه، ووضعوه حيث يسوغ وضعه، طالبين بذلك إقامة دين الله، لا رياسة نفوسهم، وأقاموا الحدود المشروعة على الشريف والوضيع، والقريب والبعيد، متحرين في ترغيبهم وترهيبهم للعدل الذي شرعه الله -لما احتاجوا إلى


(١) في المطبوعة: فلست. ومعناه: أنك بفعلك هذا لا تعلمهم ما ينفعهم؛ لأن ما علمتهم ـ وهو: تقديم الخطبة على الصلاة في العيدين ـ معصية، لأنها بدعة خالفت بها السنّة، كما أن تفريطك ابتداءً معصية.
(٢) في (ب) : في هذا.
(٣) الحديث مرّ تخريجه. انظر: فهرس الأحاديث.
(٤) فضل: سقطت من (أ) .

<<  <  ج: ص:  >  >>