شيء خدعت حينئذ منه «١» وبالفكرة يستبين لها شيء من الهويّات ففكرتها في الوقت الذي لا يؤذيها فيه شيء من سمع أو بصر أو وجع أو لذة ما إذا صارت بذاتها وتركت الجسد ومشاركته بقدر الطاقة، فنفس الفيلسوف خاصّة هي التي تتهاون بالبدن وتريد مفارقته، فلو أنّا في حياتنا هذه لم نستعمل الجسد ولم نشاركه إلّا عن ضرورة ولم نقتبس طبيعته بل تبرأنا منه لقاربنا المعرفة بالاستراحة من جهله ولصرنا أطهارا لعلمنا بذواتنا إلى أن يطلقنا الله، وخليق أن يكون هذا هو الحقّ، ثمّ نعود نحن إلى سياقة الكلام فنقول: كذلك سائر المشاعر هي للمعرفة ويلتذّ العارف بتصريفها في المعارف حتى تكون جواسيسه، والشعور بالأشياء مختلف الأوقات، فالحواس التي تخدم القلب تدرك الشيء الحاضر فقط، والقلب يتفكّر في الحاضر ويتذكّر الماضي، والطبيعة تستولي على الحاضر وتدّعيه لنفسها في الماضي وتستعدّ لمغالبته في المستأنف، والعقل يعرف مائيّة الشيء غير متعلّق بوقت وزمان ويستوى عنده الغابر والمستقبل، وأقرب أعوانه إليه الفكرة والطبيعة وأبعدها الحواسّ الخمس، فمتى ما اوصلت إلى الفكرة شيئا من المعارف جزئيّا هذّبته من الأغلوطات الحسّية وسلّمته إلى العقل فجعله كلّيّا وأوقف النفس عليه فصارت به عالمة؛ وعندهم أنّ العلم يحصل للعالم على أحد ثلاثة أوجه، أحدها بإلهام وبلا زمان بل مع الولادة والمهد مثل «كپل» الحكيم فإنّه ولد مع العلم والحكمة والثاني بالهام بعد زمان كأولاد «براهم» فإنّهم ألهموا لمّا بلغوا أشدّهم والثالث بتعلّم وبعد زمان كسائر الناس الذين يتعلّمون إذا أدركوا؛ والوصول الى الخلاص بالعلم لا يكون إلّا بالاتّزاع عن الشرّ، ففروعه على كثرتها راجعة إلى الطمع، والغضب ولجهل وبقطع الأصول تذبل الفروع، ومدار ذلك على إمامة قوّتي الشهوة والغضب اللّتين هما أعدى عدوّ وأوتغه للإنسان تغرّانه باللذّة في المطاعم والراحة في الانتقام وهما بالتأدية إلى الآلام والآثام أولى وبهما يشابه