للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

يدعو إلى الاعتصام بالكتاب والسنة اللذين هما أصل الدين وملاكه، وإليهما المرجع في المسائل الشرعية.

بل إنه رحمه الله تعالى ذكر في بعض مؤلفاته أن الأصل الجامع والمرجع والحكم هو كتاب الله وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم -، وهما مقدمان على قول كل أحد كائن من كان إذا تبين مخالفة القول لهما، وأقواله الدالة على هذه المعاني كلها كثيرة منها قوله رحمه الله تعالى عند قوله - صلى الله عليه وسلم -: ". . . وإن أفتاك المفتون. . . " (١) يعني أن ما حاك في صدر الإنسان فهو إثم، وإن أفتاه غيره بأنه ليس بإثم فهذه مرتبة ثانية وهو أن يكون الشيء مستنكرًا عند فاعله دون غيره، وقد جعله أيضًا إثمًا وهذا إنما يكون إذا كان صاحبه ممن شرح صدره للإيمان، وكان المفتي يفتي له بمجرد الظن أو ميل إلى هوى من غير دليل شرعي، فأما ما كان مع المفتي به دليل شرعي، فالواجب على المستفتي الرجوع إليه وإن لم ينشرح له صدره وهذا كالرخصة الشرعية مثل الفطر في السفر والمرض وقصر الصلاة في السفر ونحو ذلك مما لا ينشرح به صدور كثير من الجهال، فهذا لا عبرة به.

وقد كان النبي - صلى الله عليه وسلم - أحيانًا يأمر أصحابه بما لا تنشرح به صدور بعضهم فيمتنعون من قبوله، فيغضب من ذلك كما أمرهم بفسخ الحج إلى العمرة، فكرهه من كرهه منهم، وكما أمرهم بنحر هديهم والتحلل من عمرة الحديبية فكرهوه، وكرهوا مفاوضته قريشًا على أن يرجع من عامه، وعلى أن من أتاه منهم يرده إليهم.


(١) هذا جزء من حديث أخرجه الإمام أحمد (٤/ ١٩٤) عن أبي ثعلبة الخشني رضي الله عنه، وقال ابن رجب رحمه الله تعالى عن هذا الحديث: وهذا إسناد جيد.
جامع العلوم والحكم (٢/ ٢٥٠) وقد تكلم رحمه الله عن روايات وطرق هذا الحديث في الموضع المذكور.

<<  <   >  >>