للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وهكذا كان علماء السلف كلهم ملتزمين بما أنزل الله سبحانه وتعالى على نبينا محمد - صلى الله عليه وسلم - يحلون حلاله ويحرمون حرامه ولا يتجاوزونه إلى غيره، ويرون أن فيه الصلاح والهدى والخير والسعادة في الدنيا والآخرة، لأنه - صلى الله عليه وسلم - لم ينتقل إلى ربه عز وجل حتى كمل هذا الدين، فكل ما تحتاج إليه أمته من أمور الدين قد بينه عليه الصلاة والسلام بيانًا شافيًا، ولم يترك لأحد مقالًا فيما للمسلمين إليه حاجة من أمور دينهم، ولم يرو عنه - صلى الله عليه وسلم - في علم الكلام شيء مما يدل دلالة واضحة على أنه بدعة وضلالة.

يقول ابن عقيل رحمه الله: "وقد أفضى الكلام بأهله إلى الشكوك وكثير منهم إلى الإلحاد، تشم رائحة الإلحاد من فلتات كلام المتكلمين" (١).

هذا مع أن بطون الكتب حفظت لنا نصوصًا كثيرة في تراجع من اشتغل بعلم الكلام رغم أنهم أمضوا السنوات الطوال بحثًا وتفكيرًا وتأملًا فيه، رغم ذلك عادوا في آخر حياتهم إلى ما عليه السلف، وأوصوا بالبعد عن علم الكلام مما يدل دلالة واضحة على بطلان هذا العلم وما يؤدي إليه من الحيرة والاضطراب، ورجوع من اشتغلوا بعلم الكلام عنه ووصاياهم بالبعد عنه والتمسك بما عليه السلف أمر لا ينكره إلا من هو مكابر ومعاند وغير مريد للحق لأن اعترافاتهم وأقوالهم مسطرة ومنثورة في كتبهم التي ألفوها في آخر حياتهم، وتناقلها العلماء من بعدهم مستدلين بها على صحة منهج السلف وفساد مذهب المتكلمين.

أخرج الخطيب البغدادي بسنده أن الوليد بن أبان الكرابيسي (٢) لما


(١) تلبيس إبليس لابن الجوزي (ص ٨٥).
(٢) الوليد بن أبان الكرابيسي، معتزلي، من علماء الكلام، من أهل البصرة، له مقالات في الاعتزال، مات سنة (٢١٤ هـ).
تاريخ بغداد (١٣/ ٤٤١) وسير أعلام النبلاء (١٠/ ٥٤٨) والنجوم الزاهرة (٢/ ٢١٠).

<<  <   >  >>